علي الخزيم
ما إن ينتقل أحدهم إلى آخرته، يتناقل محبوه بعض مآثره ومنها أنه مُقبل على المساجد باراً بوالديه، صادقاً أميناً، يحبه الجميع لدماثة خلقه، ثم بعد ذلك تتوالى رسائل تتضمن آخر تغريدات المرحوم فلان، فيها إنه كأن يُودّع الدنيا ومن فيها ويشعر أن أيامه قريبة وأن الدنيا فانية وينصح الجميع بالتقرب إلى الله، إلى آخر ما يمكن تصديقه وما يمكن أن يندرج في أبواب الترغيب (أو الترهيب إن شئت)، فكلٌ له نهجه وأسلوبه بالدعوة، لا يمكن أن نُكذّب أن من المتوفين من كأن على هذه الشاكلة، فهنا مجتمع صالح مُتدين بطبعه يسعى للخير وما يُقَرّب إلى الله سبحأنه، غير أن ما يمكن التوقف عنده للتأمل وإعادة النظر أن كل من يُعْلَن عن وفاته عبر وسائل التواصل الاجتماعي يوصف بتلك الأوصاف الرائعة، والمثاليات العالية، والمنهج السلوكي القويم، فلدي القناعة بأن المجتمع مُجْمَلاً ينعم بالصلاح والتدين وحب الخير غير إن ذلكم أمر نسبي، بمعنى إن الكمال بالصلاح والدين وحسن الخلق تختلف نسبته ودرجته بين إنسان وآخر بمنظومة الفروق الفردية، إذا اتفقنا على هذا فمن الأنسب أن نكون متفقين أيضاً على أن كثيراً من تدوينات وتغريدات و(سنابات) ومقاطع وسائل التواصل الالكترونية إنما هي أحاديث قد ينقصها الاقتران العملي، أو تفتقر إلى التطبيق المنهجي السلوكي، ولا جدال حول أهمية ذكر محاسن الموتى والتغاضي عن ما يمكن أن يُعَدّ من سلبياتهم في حياتهم وقد أفضوا إلى مآلهم الأخير، لكن تساورني الشكوك بهذه المثاليات والنعوت والأوصاف حينما استحضر مشاهدات يومية في المحاكم والطرقات والتجمعات والأسواق وحتى بالمساجد والمستشفيات، وبين بعض الأسر من تشاحن وتنافر وتباغض، يهدأ أواره بمناسبات كدخول رمضان وصباح العيد ثم يعود جذعاً نشطاً ذو شجون وفروع متشابكة؛ بل ربما زادت عناصر وأسباب اشتعاله لتحرق مزيداً من مشاعر الأسرة والمجتمع.
إذا كانت أغلب الرسائل والسنابات والتغريدات تعتني بالفضيلة والفقه والتفسير وأحكام الشريعة، والنصائح الدعوية؛ إذاً لماذا تزدحم المحاكم، ولماذا كل يوم خبر عَمّن يقتل أخيه، أو أب يقتل ابنه، أو ابن عم وخال يقتل قريبه، والأصدقاء عند أدنى اختلاف يكون الفيصل بينهم المسدس والرشاش والخنجر؟ مضاربات واقتتال بالمتجر والمستشفى وفي زحام المرور، أين المعاني والحكم والفتاوى التي نرددها، حتى ليخيل لك أنك تستمع لأهل بدر أو لمن ضمّت سقيفة بني ساعده، أو المبايعين تحت الشجرة، أو الضاربين بفؤوسهم لحفر الخندق، يختلط عليك الأمر هل المتحدث سلمان أم بلال أم هو أبو محجن، أم تراه القعقاع بن عمرو؟ (لا أستهزئ) غير أني أتعجب متأسفاً على تناقضات شخصياتنا التي تتلون عند كل حال ومآل، وتقرأ تغريدة وتدوينة لمن توحي لك وكأنها السفيرة ظمياء بنت أشرس، أو الممرضة الأولى رفيدة، أو آمنة المخزومية صاحبة البئر، أو شهيدة البحر أم حرام، ثم تُدهش حينما يكون الوجه الآخر على النقيض! (رمضان فرصة جيدة للتدرب على الصدق مع الذات).