د. محمد بن عبدالله آل عبداللطيف
كل يوم يمر نشاهد عبر وسائل الإعلام الرسمي والاجتماعي خبر غلق مطعم أو مطبخ أو محل حلويات بسبب الغش الصحي أو استخدام أطعمة غير صالحة للاستخدام الآدمي بشكل صادم ومقرف. وقد بلغ الغش الغذائي حد طبخ حيوانات كالحمير، والكلاب - أعزكم الله - على أنها لحم جمال، وضأن. بل سمعنا - والله أعلم - أن بعض المطاعم طبخت للناس قروداً. ولم يتوقف الغش عند مطاعم صغيرة، أو غير معروفة لنقول إن هذه الممارسة كانت من قبيل الحاجة، ولكنه شملت مطاعم كبيرة أرباحها تعد بمئات الملايين.
فقد وافتنا الأخبار مؤخراً بمقاطع لمطابخ شهيرة تحتفظ بأغنام مريضة في أحواشها تمهيداً لطبخها وتقديمها لزبائنها من المواطنين. ومقطع آخر لمواطنين أوقفوا عامل مطبخ شهير وشاحنته مليئة بالأغنام المريضة التي هي على شفى الموت. ومقطع لوافد عربي يدخل لشبك أغنام ليتفقده وينتقي ذبيحة على شفى الموت من شدة المرض فيسحبها سحباً في الشارع حتى يصل بها للمطعم المجاورة لذبحها وتقديمها لزبائنه في هذا الشهر الفضيل. والجميع يتساءل عن سبب وجود الأغنام المريضة في الأسواق أصلاً! وكيف تختلط هذا الأغنام بالأغنام الصحيحة. والحق أن سوق المريضة والمرتدية والنطيحة ربما هو أكثر رواجاً من سوق الأغنام الصحيحة.
المطاعم التي تستخدم الأسماك واللحم المفروم، ولحم الشاورما ليست أحسن حالاً. فبعض هذه المطاعم ومنها مطاعم تعتبر راقية تقدم لزبائنها نوعاً من السمك المجمد المستورد من بعض دول آسيا من مياه آسنة غير صحية على أنه هامور، وهذا السمك ممنوع من دخول دول أخرى لعدم صلاحيته للاستهلاك الآدمي. مصدر وجنسية هذا السمك لا تكتب أبداً في قائمة الطعام. وهناك تجارة رائجة لبيع الدجاج المريض المعد للإتلاف في بعض مزارع الدواجن، تهربه العمالة وتبيعه بأثمان بخسة لمحلات الشاورما. أما محلات الكباب والأوصال فهي الزبون الأول لكل طعام مجهول المصدر.
وذات مرة في سوبر ماركت معروف فطنت فجأة لمن ينظف زجاج الكابينة التي تعرض فيها الأجبان واللحوم المطبوخة وغيرها من الأطعمة الجاهزة وهو يقوم بترطيب قطعة القماش التي يحملها بريقه - أكرمكم الله - وعندما استدعيت المدير، وهو من جنسيته، وشرحت له ذلك صرخ به قائلاً، أذهب من هنا! أغرب عن وجهي! وكان الهدف من ذلك إبعاده عن المشهد واحتواء القضية وقتياً فقط! وقبلها وقفت على مطبخ شهير استخدم خضاراً لتزيين الصحون دون غسلها. وفي أحد مراكز الشرطة التي كانت تتعامل مع مطبخ معتاد فوجئ الحضور بوجود ذنب جرذ في الطعام ولكنهم بحكم مهنتهم عرفوا كيف يتعاملون مع المطبخ بشكل مباشر بالشكل الذي يستحقه. ولم تسلم من الغش حتى محلات الحلوى، فقبل أيام أغلقت أمانة العاصمة محل حلوى بسبب استخدامه «مواد مسرطنة» في إعداد الحلوى للصائمين.
أمانات العواصم لم تقصر وسعت جاهدة في احتواء هذا الأدواء التي أصابت قطاع الأغذية والمطاعم لدينا في مقتل. وقطاع المطاعم والأغذية قطاعات تسيطر عليها في الغالب العمالة الوافدة في جميع مراحلها. ولكن على ما يبدو فالشق اتسع على الراقع، ولم تعد الأساليب التقليدية في الكشف عن هذا الغش المقيت مجدية، كما لم تعد عقوبات الإغلاق الموقتة والغرامة رادعين. ولا بد من تقصي أسباب هذه الممارسات وغيرها التي تعكس حقداً دفيناً ممن فتحنا لهم حدودنا وأبواب الرزق في مجتمعنا ليجازونا بهذا الجزاء! فلا بد من سبب ما، سبب قوي لحالة التوتر الخطرة لبعض العمالة الوافدة التي تجعلها تتعمد أحياناً غشنا متى وكيفما أتيح لها ذلك؟ فالكثير منها لها علاقة متوترة مع كفلائه ومع المتسترين عليه. فقد طفح الكيل، والزبى غمرها السيل، والوضع من إعوجاج لميل.
الشاورما في بلدان العالم المختلفة - باستثناء بعض دولنا المتخلفة - لا تعد في بانيوهات الحمامات، ولحم الكباب لا تعده إيادي عامل لم تتعلم أصول النظافة، ولكنها تعد في معامل خاصة تخضع لرقابة دقيقة من حيث النظافة والمكونات قبل أن توزع على المطاعم. والإشراف في السوبرماركتات على الطعام المعد لا يترك لوافد أبداً وإنما يقوم مراقب صحي مهني يدفع له السوبرماركت ذاته مرتباً مجزياً، ولو اكُتشف أن مطعماً أطعم الناس فطيسة لأُغلق المطعم نهائياً، وغُرِّم صاحبه كل ما حصل عليه في تاريخه من المطعم، وسُجن وشُهِّر به. فلم لا تحدث أمانات العواصم وظائف مشرفين من الشباب المواطنين تُفرض على كافة هذا الأنشطة تدفع لها المطابخ والمطاعم رواتب تفرض عليها فرضاً؟ ولِمَ لا تغلق هذه المطابخ نهائياً ويسفر أصحابها وعمالتها إذا ثبتت ممارسته أياً من هذه القذارات في حقنا؟ فمن غشنا ليس منا.