د. أبو أوس إبراهيم الشمسان
من مباهج ما نالني في لقاء أستاذنا علامة العربية أ.د. سعد عبدالعزيز مصلوح تلطفه بإهداء نسخة من الكتاب التكريمي الذي كتب له، وعنوانه (الأستاذ الدكتور سعد عبدالعزيز مصلوح سيرة ومسيرة وأبحاث مهداة) حرر هذا الكتاب د. خالد فهمي، ود. عبدالسلام حامد، ونشرته (عالم الكتب) نشرة فاخرة فظهر في مجلد واحد على الرغم من أن صفحاته بلغت 959 صفحة، وكان لي شرف المشاركة ببحث مهدى إليه، هو (من أثر الرسم الكتابي في التحليل اللغوي) ص433 - 451.
شارك في إعداد هذا الكتاب ثلاثون من أبنائه وطلابه وأصدقائه ليكون تحية لعلامة العربية الذي شهد له في حداثته الدكتور محمد مندور.
تطالع في مفتتح الكتاب سيرة علامتنا العطرة التي تفسّر لك سرّ المكانة المرموقة التي نالته، فهي لم تأت إلا بالكدّ والمثابرة التي تساعدهما ملكات لا تتهيأ لكل أحد، من ذهن حاضر، وذكاء وقّاد، وفطنة عالية، وخبرة غزيرة، ومعرفة عميقة، وإحاطة متمكنة بعلوم العربية وبعلوم اللغة الغربية الحديثة على نحو متوازن لا يجور بعضها على بعض؛ بل استطاع أن يلتمس الحكمة في الجانبين، وأن يؤلف بينهما تأليفًا لطيفًا، ومكّنه اقتداره وما منّ الله عليه به من ملكات أن يخدم العربية وأهلها في اتجاهات متعددة تتكامل في أداء الغرض منها، وتنوعت عطاءاته في الترجمة والتأليف وكتابة البحوث ومراجعة الأعمال وتقديم الكتب ومناقشة الرسائل والإشراف عليها، زويت له مكارم الأخلاق فهو صريح الرأي كالرائد الذي لا يكذب أهله؛ ولكنه عفيف اللسان والقلم، فهو يظهر الحق من غير أن يؤذي، وهو يداوي من غير أن يجرح، شاعر النفس واللغة، فإذا كتب العلم وجدت سمة الشعر في لغته من غير جور على مقتضيات الفكر؛ ولكنه حُسْن استعمال اللغة واستثمار جمالها، وله من فنون الوضع اللغوي ما لا تجده عند غيره على نحو يدهشك ويمتع نفسك.
يأتي القسم الأول من الكتاب لدراسات وبحوث عالجت ما أنجزه أ.د. سعد عبدالعزيز مصلوح وهي جملة من أعماله النظرية في البلاغة والنقد واللسانيات ونحو النص، وثمة أعمال تطبيقية تناول فيها الباحثون بعض أعماله الإبداعية مثل قصيدته (السبعون).
وأما القسم الثاني فهي جملة من الدراسات النافعة التي أهديت إليه في هذا الكتاب وهي أبحاث متنوعة فيها النحوي واللساني والبلاغي والأدبي.
وأما القسم الثالث فهي جملة من الشهادات عن علاّمتنا، واستوقفني ما كتبه د.سليمان الشطي «فهو ليس راوية يمتح من ذاكرة المحفوظ، ولكنه قنّاصٌ لماحٌ بموهبة الانتقاء وسلامة الاختيار» (ص902). وأما الملاحق ففيها نموذج من خطِّه ومسوداته، وما كتبه الدكتور محمد مندور عنه، وهناك بلا شك كثير من النماذج التي كان يمكن أن تذكر مثل: تقرير تيمور عن كتابه (حازم القرطاجني ونظرية المحاكاة والتخييل في الشعر)، وهو كتاب كتبه كما قال لي في شهرين، وهو أمر لا ينتهي منه العجب. وفهمت من أستاذنا أن أجلَّ أعماله هو مشاركته في موسوعة (التفصيل في إعراب آي التنزيل) التي خرجت في 16 مجلدًا.
ومهما قيل في حق أستاذنا أو كتب عنه سيكون دونه، قليلًا في جانبه؛ لتعدد إنتاجه وتنوعه وغزارة محتواه، ولما تنطوي عليه نفسه الكريمة من خلق سمح وتواضع جمّ، أطال الله عمره وحفظ عليه صحته وقواه ما أبقاه.