د. أبو أوس إبراهيم الشمسان
في الساعة 7:19 من يوم الجمعة 6/8/1437ه، أرسل إلي ابننا الأستاذ فهد الخلف نبأ وفاة أستاذنا القدير الدكتور عبدالقادر المهيري، فكتبت في جواب رسالته «رحمه الله رحمة واسعة، كان عالِمًا فذًّا ومعلِّمًا متميزًا وباحثًا متعمقًا، كتب بلغة واضحة مبينة، جمع بين علوم التراث وعلوم اللسانيات فانصهرت في فكره وسكبها في بناء متماسك أضاء به درب الباحثين والمتطلعين إلى المعرفة الحقَّة».
عرفت أستاذنا قبل أن ألقاه معرفة الطالب للرواد من العلماء، كان أول شيء صادفته الحولية التونسية الخامسة، وجدت فيها مقالًا مهمًّا في مسألة كانت من مشاغلي في ذلك الوقت وكنت قد قرأت كتاب أستاذنا الدكتور مهدي المخزومي عن (النحو العربي: نقد وتوجيه) الذي عرض فيه للتفريق بين الجملة الفعلية والجملة الاسمية، وذهب فيه إلى أن الجملة الاسمية ما دلت على الثبات بخلوها من الفعل الدال على التجدد وليس مرد التحديد لصدارة الاسم أو الفعل، فالجملة الفعلية هي ما اشتملت على فعل تقدم الاسم أو تأخر، فالجملة (طلع البدر) جملة فعلية وكذلك (البدر طلع) جملة فعلية أيضًا، وأما عنوان مقال أستاذنا الدكتور عبدالقادر المهيري فكان (مساهمة في تحديد مفهوم الجملة الاسمية) وعرض فيه لمفهوم بعض علماء اللسانيات لطبيعة الجملة الاسمية ثم عرض لمفهوم الجملة الاسمية والفعلية في النحو العربي مبينًا الخلل في ذلك وتجاهل عناصر الجملة في تحديد مفهوم الاسمية أو الفعلية، ثم فسر مذهب النحويين وهو أمر لا يقبله الباحث المحدث، وانتهى إلى قوله «النتيجة من كل هذا أن الفصل بين الجملة الاسمية والجملة الفعلية ينبغي أن يقع على أساس آخر وهو نوع العناصر الأصلية المكوّنة لكل واحدة منهما، فلا تعتبر الجملة الاسمية إلا إذا خلت من الفعل، وتوضع في صنف الجملة الفعلية كل جملة تضمنت فعلًا بغض النظر عن مرتبته»، وقال «ولقد اعتمد هذا الأساس (مهدي المخزومي) عندما قال: الجملة الفعلية هي ما كان المسند فيها فعلًا سواء أتقدم المسند إليه أم تأخر». وبين أنّ المخزومي مثّل بجملة بسيطة لا تثير كثيرًا من المشكلات التي يقتضيها القول بذلك المفهوم، ورأى أنّ هذه المشكلات لا تحل إلا بالتخلي عن مبدأين، الأول هو ارتباط علامة الإعراب بالوظيفة الإعرابية، أي ارتباط الرفع بالفاعلية والنصب بالمفعولية، ويرى أن العلامة قد تكون مرتبطة بموقع الكلمة في الجملة أو ولايتها لبعض الأدوات، والمبدأ الثاني الذي يدعو لاطراحه هو عدّ ما يتصل بالأفعال ضمائر ترث وظيفة الأسماء الظاهرة، وهو يدعو إلى عدّه علامة مطابقة فلا يكون الفعل بذلك رافعًا فاعلين، ورسم جدولًا بين فيه ألوانًا من الجمل المصدرة باسم مرفوع هو المبتدأ به؛ ولكنه في الحقيقة قد يكون فاعلًا أو مفعولًا به أو مضافًا إليه.
وصادفت الكتاب الذي شارك في وضعه وهو المقرر للنحو للمدارس الثانوية في تونس، وقد ألفيته كتابًا متميزًا باعتماده على النصوص استنباطًا للقواعد والتدريبات، وكانت هذه النصوص مادة استفدت بها في تدريسي المهارات اللغوية.
أما كتابه (نظرات في التراث العربي) فهو من أجل الكتب التي عالجت طائفة من المسائل المهمة في النحو والصرف والمعجم، وربما قررته على بعض شعب الدراسات العليا وكتابة تقارير عن موضوعاته، وربما كلفت طلاب الاختبار الشامل قراءته.
لقيت أستاذنا يوم زار الرياض وألقى محاضرة في جامعة الإمام عن مسيرته العلمية، وفي ذلك اليوم سألته بمسألة تخص ما كتبه عن الجملة، وكتبت عن ذلك في حينه ثم تشرفت بلقياه حين شاركنا العمل في مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز الدولي لخدمة اللغة العربية نائبًا عن رئيس الأمناء في المركز. رحم الله أستاذنا الدكتور عبدالقادر المهيري رحمة واسعة.