(بلتيمور صن) - أمريكا:
يبدو أن وقف إطلاق النار الهش في سوريا، والذي تم التوصل إليه برعاية أمريكية وروسية في أوائل هذا العام، يبدو أنه قد مات فعليًا؛ بعدما انزلقت البلاد مرة ثانية الأيام الماضية إلى أتون حرب أهلية واسعة النطاق. وقد ذهب وزير الخارجية الأمريكي جون كيري إلى جنيف لإعادة إطلاق المفاوضات التي كانت تهدف إلى وقف القتال االذي اشتعل مجددًا وقضى على مئات المدنيين ، بما في ذلك على الأقل خمسين شخصًا قتلوا عندما هاجمت طائرات الحكومة السورية مستشفى للأطفال في مدينة حلب. وبالرغم من إعلان الأمم المتحدة أن الوضع المتدهور في واحدة من أكبر مدن سوريا يشكل كارثة إنسانية تلوح في الأفق، إلا أن الحقيقة هي أنه لا واشنطن ولا موسكو تستطيعان التحكم فيما هو آت.
الصفقة التي وافقت عليها كل من روسيا والولايات المتحدة في فبراير الماضي كانت عبارة عن مقعد بثلاثة أعمدة: العمود الأول دعا إلى وقف شامل لإطلاق النار في كل البلاد لجميع العمليات العدائية مما كان سيؤدي إلى تجميد كافة قوى المعارضة في مواقعها. العامود الثاني هو متطلبات السماح للمساعدات الإنسانية الدولية أن تصل إلى المدنيين الذين حاصرهم القتال، أما العمود الثالث فهو عملية إطلاق مفاوضات تهدف إلى الوصول إلى حل سياسي للصراع وإنشاء حكومة انتقالية.
الخروقات التي وقعت في اتفاقية وقف إطلاق النار كانت متوقعة، بالنظر إلى الثغرات الكبرى في تلك الاتفاقية، والتي كانت تفترض أن يتم تطبيقها على كامل سوريا، ولكنها عمليا كانت تسمح لروسيا ولنظام الأسد أن يستمرا في استهداف مقاتلي تنظيم داعش وجبهة النصرة، اللذين لم يشملهما هذا الاتفاق. وكان الاستثناء أيضًا أن تستمر الولايات المتحدة في قصف معاقل تنظيم داعش، مما أعطى بشار الأسد والرئيس الروسي فلاديمير بوتن عذرًا مريحًا لمهاجمة أية جماعات معارضة أو مناطق مدنية، بذريعة أنهم يقاتلون داعش والنصرة، وهو ما أصبح مبررًا مثاليًا لروسيا أن تستمر في شن هجماتها في كل سوريا.
والواقع أن هناك آلافا من جماعات المعارضة التي تعمل في سوريا والتي تتعاون مع بعضها بصورة روتينية عبر تحالفات وملاءمات مؤقتة، لتقوية عدد بعضهم البعض في أرض المعارك على سبيل المثال، أو لتهريب الأسلحة أو السلع الأخرى، والكثير منهم ليس لديه مصلحة حقيقية في وقف العمليات العدائية والتي يمكن أن تفسد نشاطاتهم الأخرى. وهذا سمح للأسد وداعميه أن يزعما أنهم يلعبون طبقًا لقواعد اللعب النظيف، وكنتيجة لذلك فإن أجزاءً كبرى من البلاد من المتوقع أن تظل مناطق صراع نشطة بصورة لا نهائية، بغض النظر عن أي اتفاق لوقف لإطلاق النار.
وفي النهاية، ربما لم يعد لروسيا وللولايات المتحدة المصداقية الدولية لتنفيذ وقف إطلاق النار الذي أبرماه معا منذ بضعة أشهر فقط. الرئيس بوتن في بعض الأحيان ظهر قادرًا على التأثير في الحسابات السياسية للأسد بعدما أرسل طائراته الحربية الروسية لدعم قواته الحكومية المنهكة. ولكن بعدما تحول الموقف على الأرض لصالح الأسد، بدا أن نظامه أصبح أقل ميلاً نحو رد الجميل لبوتن بتنفيذ بقية بنود الاتفاقية؛ فإذا استطاع أن يعض اليد الروسية التي أطعمته في تلك الأزمة، فمن غير المحتمل أن يتأثر بالإغراء الدبلوماسي لجون كيري.
كل ذلك يفيد أن الولايات المتحدة ستصافح يدًا ضعيفة عندما يتعلق الأمر بدفع عملية السلام في خضم ذلك التيار المضاد والذي يتشكل من توليفة شيطانية من الأدوات الدبلوماسية والعسكرية والمصالح المشتركة، أو حتى يمكن زيادة وصول المساعدات الإنسانية إلى السوريين المنكوبين. ومن ثم ليس هناك كبير أمل في أن المفاوضات حول الانتقال السياسي يمكن أن تتقدم طالما استمر القتال، ويبدو أن الأسد أصبح في وضع يسمح له بإطالة أمد الصراع بصورة لا نهائية. وقد ظل كيري يعلن أمام الميكروفونات عن أمله في أن روسيا يمكن أن تقتنع في النهاية بضرورة اتخاذ موقف قوي في إقناع الأسد بأن يحترم وقف إطلاق النار، حتى لو انطلاقًا فقط من مصالحه الشخصية في إظهار أن موسكو لا تزال لاعبًا مؤثرًا في المنطقة. ولكن إذا اعتمدنا على الكبرياء الوطني الروسي فقط واعتبرنا أن ذلك هو الورقة الأقوى التي يمكن للولايات المتحدة أن تلعب عليها، فإننا بذلك نكون بالفعل قد خسرنا اللعبة.
- افتتاحية الصحيفة