د. جاسر الحربش
يقسم العالم الساسة الإيرانيين إلى محافظين وإصلاحيين، ويتجاهل حقيقة أن ما يجمعهم هو أنهم كلهم يؤمنون بالمشروع نفسه. العرب كان لهم مشروعهم ونفذوه وانتهى بنهاية الدولة العباسية، وقد بدأ المشروع إسلامياً واستمر كذلك حوالي ستين سنة فقط ثم تحول إلى مشروع الدولة العربية. عندما نضيف الحكم العربي في جنوب أوروبا (إسبانيا وإيطاليا) يحصل العرب على مشروع حكم يزيد على ألف عام. الأتراك كان لهم كذلك مشروعهم، الدولة العثمانية، واستمر أيضاً حوالي خمسمائة عام ثم انتهى لنفس أسباب نهاية المشروع العربي.
الآن جاء دور المشروع الإيراني. المشروع الإيراني الجديد يختلف عن سابقيه جذرياً في اختياره لمذهب واحد من الإسلام لخدمة مشروع الدولة الإيرانية. اختيار المذهب الاثني عشري المعتمد لولاية الفقيه هو اختيار ذكي يهدف إلى تفكيك الجوار الإسلامي إلى مشاريع صراع بين مكوناته التاريخية، ويكتفي المشروع القومي الإيراني مؤقتاً بدور الممول والمخطط قدر الإمكان، وبالتدخل العسكري فقط عند الحاجة ولكن مع إنكار حدوثه.
كثيراً ما أسمع بعد اختتام الاجتماعات السياسية العربية، الخليجية منها على وجه الخصوص، عبارات التلطف والتذكير بواجبات حسن الجوار ومد أيدي التعاون لبناء المستقبل المشترك، نحو الحكومة الإيرانية. لا أذكر أنني سمعت مثل هذا الكلام اللطيف من أي مسؤول حكومي إيراني. الكلام الموجه نحو الجوار العربي من حكومة إيران يكون دائماً مشروطاً بتقديم تنازلات، إما جغرافية أو مذهبية أو سيادية مذهبية، والغالب احتواؤه على كل ذلك. كلام السياسي الإيراني الموجه نحو العرب صارم وقطعي دائماً، يحمل نبرة التهديد المصحوبة باستعراض الإمكانيات العسكرية الهجومية، وليس الدفاعية. إيران مطمئنة وجازمة بأنها لن تتعرض لهجوم على أراضيها الإيرانية من دول الجوار لأنها موجودة فعلاً في دول الجوار وتستخدمها لأغراضها الإستراتيجية.
على مستوى الجبهات العالمية المؤثرة، أمريكا وأوروبا وروسيا والصين والهند، واضح أن إيران تلقى قبولاً متزايداً، بافتراضها كدولة انتخابات ومشاركة نسائية في الحياة العامة والسياسية، وبعرضها المستمر للتعاون الاقتصادي والعلمي مع الجميع. العالم يقارن ثم يستنتج أن كلا الطرفين الإيراني والعربي يقول ما لا يفعل، ولكن إيران تقدم عرضاً أكثر جاذبية في إمكانية الانفتاح الحضاري. هذا ما يفترضه العالم، ليس حباً في علي أو معاوية وإنما للتمصلح الأسهل والأوسع من الاثنين، والذكي يكسب في النهاية.
هل لهذا الكلام الكثير من استنتاج؟ نعم، وهو أن الدولة الإيرانية الحالية لها مشروع غير معلن لإمبراطورية فارسية تحكم المنطقة من داخل أراضي الجوار الذي تخطط لحكمه بالكامل. هل ترفض القوى العالمية الكبرى هذا المشروع عندما تطمئن إلى استمرار مصالحها بضمانات إيرانية؟، الجواب لا لن ترفض. الحملات الإعلانية المكثفة على الإرهاب العالمي بمسميات سنية عربية تحديداً تشير إلى استعداد العالم لقبول وتشجيع المشروع الإيراني. الإرهاب الطائفي الإيراني والإرهاب العنصري الإسرائيلي يقعان دائماً خارج التغطية الإعلامية.
هنا يصبح الأهم التحوط وإلغاء كل احتمالات الالتقاء والتسوية مع إيران. إيران لديها مشروع توسعي ضخم تحاول بكفاءة مذهلة كسب العالم لتحقيقه. العرب أصبحوا فعلياً في وضع الدفاع عن النفس، ولكنهم لا يقومون بذلك ولا حتى بمستوى أضعف الإيمان. العرب يحتاجون إلى مشروع عربي مضاد يعيد إيران أولاً إلى داخل حدودها الجغرافية.