محمد بن عيسى الكنعان
بسبب التزييف الإعلامي من بعض القنوات (العربية) يعتقد البعض أن الحشد الشيعي المسمى زوراً (الحشد الشعبي) بأن عناصره هم مواطنون عراقيون بالدرجة الأولى، ويضعون الوطنية فوق الطائفية والمذهبية، وأنهم يسعون إلى إقرار السلم الأهلي، من خلال تطهير العراق من الإرهابيين، والمساهمة الفاعلة في بنائها دون الدخول في لعبة المحاور الدولية، أو الانضواء في عباءة أحد المشاريع الإقليمية بالمنطقة، وبالذات المشروع الصفوي الرامي إلى الهيمنة التامة على العالم العربي.
ولكن الصحيح أن الحشد الشيعي (الشعبي) ليس عراقياً عربياً خالصاً، فهو خليط من شيعة إيران وأفغانستان والعراق ولبنان، يقودهم جنرال إيراني، وهذا الحشد هو بالأساس ميليشيات عسكرية خارج إطار الدولة، وتعمل لصالح المشروع الإيراني (الصفوي)، سواءً في العراق أو سوريا أو لبنان أو اليمن، بدلالة تحركات لواء أبو الفضل العباس بقيادة أوس الخفاجي، الذي كان يقاتل في سوريا ثم انتقل إلى العراق خلال بضعة أيام للمشاركة في الهجوم الجاري على الفلوجة وهو من مكونات الحشد الشيعي، ولولا الله ثم عاصفة الحزم لرأينا هذه الميليشيات تقاتل إلى جانب الحوثيين وتتجرأ على حدودنا.
قد يقول قائل: ما المشكلة في وجود حشد شيعي يساند الحكومة العراقية في محاربة الإرهاب؟ حتى لو كان هذا الحشد مرتزقة من دول مجاورة للعراق أو كان بقيادة إيراني، إذا كان الهدف الرئيس هو محاربة التنظيمات الإرهابية بدايةً من (القاعدة) ثم (داعش)، كما أن العراق أساساً ليس له سيادة كدولة مستقلة، وهو مستباح من الأمريكان والإيرانيين والتنظيمات الإرهابية منذ العام 2003م، وحكوماته الطائفية تعمل في ظل هذه الأجواء التي تخضع للتوافق الإيراني الأمريكي. الجواب ببساطة أن هذا التبرير يبدو منطقياً لو كان العراق شيعياً خالصاً، أو على الأقل ذا أغلبية شيعية كما يتم الترويج لذلك، غير أن العراق منذ الفتح الإسلامي وهو ذو أغلبية سنية، مثل إيران قبل حكم الصفويين الدموي، ولم يتشيع العراق على مستوى إدارة الدولة وليس الشعب إلا خلال فترة حكم بني بويه وسيطرتهم على مقاليد الخلافة العباسية 334هـ (945م) حتى سقط حكمهم الفاسد على يد السلاجقة العام 447هـ (1055م). ما يعني أن الشعب العراقي يتشكل من سنة وشيعة وتركمان وأكراد سنة ويزيديين وغيرهم، هذه التشكيلات المذهبية والعرقية لها كامل الحق في المشاركة ببناء العراق، والمساهمة المنصفة في حكمه، ومحاربة كل أعدائه، وفرض سيادته التي استباحتها قوى عالمية ودول إقليمية.
في ضوء ماسبق؛ ما الذي يمنع من تكوين حشد شعبي (سني) عراقي يتولى حماية المدن والمحافظات السنية، ومحاربة التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها تنظيم (داعش)، فهذا التنظيم يستهدف المدن السنية بشكل مباشر ومحدد، فيحتلها ثم يجر البلاء الطائفي عليها من قبل الحكومة العراقية والحشد الشيعي ومن خلفهما الإيرانيين، وكأنه سيناريو معروف ومعد من قبل هذه الأطراف. إن الحشد الشعبي (السني) هو الضامن بعد الله في حماية المحافظات السنية؛ لأنها في الأساس محافظاتهم؛ وهم بذلك يدافعون عن أهلهم ومساكنهم، وأراضيهم، وممتلكاتهم، خصوصاً أن للعشائر السنية تجربة سابقة وناجحة في محاربة الإرهاب بما يعرف بـ(الصحوات) أو مجالس الصحوة، التي كانت تجمعات عشائرية سنية تأسست العام 2006م خلال الاحتلال الأمريكي في الأنبار، ثم محافظات ديالى وصلاح الدين ونينوى، حتى بلغ عدد مقاتلي تلك الصحوات قرابة 80 ألفا أغلبهم من السنة، وقد نجحوا في طرد (القاعدة) من المدن السنية، بل وتقليل نشاط إرهاب هذا التنظيم على مستوى العراق حتى ظهر (داعش).
فما الذي يمنع تكوين الحشد السني؟ ورغم أن السؤال هنا استنكاري وليس استفهامياً؛ إلا أنه له إجابة واحدة، وهي أن إيران الراعية للحكومة العراقية، والداعمة للحشد الشيعي هي من رفضت هذا المقترح الذي سبق أن طرحه الأمريكيون لمحاربة (داعش) بعد سيطرتهم على الموصل. لأن الإيرانيين يدركون تماماً أن نجاح الحشد السني سيعزز النفوذ السني (المغيب) في العراق ويعيدهم بقوة إلى المشهد السياسي العراقي، كما يوقف خطط إيران الطائفية القائمة على التطهير الطائفي للمدن السنية؛ لهدف تغيير ديمغرافي لصالح مشروعها الصفوي؛ لأنهم يعون تماماً ماذا تعني عودة سنة العراق، خصوصاً مع وجود دول سنية محيطة بالعراق. أما المزاعم الشيعية بأن أهل السنة العراقيين قد يتحالفون مع التنظيمات الإرهابية ما يهدد النظام السياسي العراقي القائم، بحكم أن البعثيين السنة انضموا لتلك التنظيمات بعد سقوط نظام صدام، هو زعم باطل لأن حزب البعث العراقي كان حزباً علمانياً وليس سنياً، كما ضم الكثير من الرموز والعناصر الشيعية.