م. خالد إبراهيم الحجي
إن الخطاب السياسي للمرشح الأمريكي دونالد ترمب الذي دعا فيه إلى عدم السماح للمسلمين بالدخول إلى أمريكا؛ لأنهم أصحاب فكر متطرف يؤدي إلى الإرهاب، يعتبر أساءةً صريحةً ومتعمدةً ضد الإسلام والمسلمين، وظفها دونالد ترمب لصالحه وحصد بها عدداً كبيراً من أصوات الناخبين للفوز كمرشح عن الحزب الجمهوري، في سباق الرئاسة الأمريكية القادم ضد الحزب الديمقراطي. ويعد هذا الخطاب من دونالد ترمب حلقةً متصلةً في سلسلة الإساءات الغربية المتتالية ضد العرب والمسلمين، كما يعتبر تأصيلاً متعمداً لظاهرة خوف الغرب من الإسلام (الإسلام فوبيا)، ولظاهرة خوف الغربيين من العرب والمسلمين (الزنافوبيا) التي لفتت انتباه مراكز الرصد الأيدولوجي، وأدرجت الدول العربية والإسلامية المختلفة ضمن دراساتها الإستراتيجة فصنفت الدول العربية والإسلامية كالتالي:
(أ) دول معتدلة على المسرح الدولي ولها سبق في مكافحة الإرهاب مثل: مصر والسعودية.
(ب) دول تثير القلاقل وترعى الإرهاب وتدعمه لتحقيق مصالحها وأطماعها في المنطقة مثل: إيران وخليتها التخريبية في البحرين، ودعمها لحزب الله المصنف عربياً وعالمياً كمنظمة إرهابية.
(ج) كما صنفت دولاً أخرى كمزارع خصبة ينمو الإرهاب فيها ويترعرع مثل: أفغانستان واليمن. وهذه الدراسات الإستراتيجية معدة حسب الطلب لتستفيد منها الدول الغربية في صياغة سياساتها الخارجية لتحقيق مصالحها المختلفة مع الدول العربية والإسلامية؛ والدليل على ذلك أن دراسات مراكز الرصد اعتبرت الإرهاب الذي تمارسه إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني الأعزل حقاً مشروعاً لها، بحجة حماية نفسها، واعتبرت مقاومة الفلسطينين من أجل الحرية وحقهم في الحياة الكريمة إرهاباً. وحملات الإساءة المتواصلة من الدول الغربية ضد العرب والمسلمين ترجع غالباً إلى العوامل التالية:
(1): التعصب الأعمى والعنصرية البغيضة والتمييز العرقي الذي يدعي بتفوق العقل والفكر عند بعض الجنسيات على الأخرى، بناءً على لون البشرة والعرق والدين، وهذا العامل الأول: لا يستحق الرد عليه لأن الواقع أكد للعاقلين المنصفين أن هذا الفكر قد عفا عليه الزمن.
(2): الإعلام الغربي وجد في حملات الإساءة المتواصلة ضد العرب والمسلمين مادة إعلامية مربحة، حققت منها مؤسسات الإعلام الحديثة مبيعات مرتفعة عن طريق جذب الجماهير الغفيرة في أنحاء العالم إلى شاشات التلفزة الفضائية، وشاشات الأجهزة الذكية المحمولة لمشاهدة حملات الإساءة المتواصلة ومتابعة الظلم والاضطهاد ضد العرب والمسلمين، ولتحافظ المؤسسات الإعلامية الغربية على تحقيق حصة سوقية مربحة ومتواصلة من وراء حملات الإساءة ضد العرب والمسلمين قامت بتوظيف الأحداث، والأخبار المنقولة إلى الجمهور بمنطق الرأسمالية لجني الأرباح من خلال اختيار بعض الأحداث، والأخبار المجتزأة أو المنحازة، مع الإغفال المتعمد لبقية الأحداث، والأخبار الأخرى التي تم اجتزاؤها من سياقاتها بهدف التزييف والتدليس؛ وبالتالي خلط الحقائق للوصول إلى توليفة أو تركيبة إخبارية معينة، تخدم الانحيازية المقصودة، فبواسطة الإعلام الغربي والتسونامي السياسي يتم تلبيس الحق بالباطل وقلب الموازين، وتصوير العرب والمسلمين على أنهم خطر يهدد العالم، وهذا العامل الثاني: تسويق مادي رأس مالي رخيص لا يضع اعتباراً للقيم، أو النزاهة أو الحيادية الإعلامية؛ لأن الغاية عنده تبرر الوسيلة.
(3): العامل الثالث: ما يشاهده الغرب في أغلب الدول العربية من كثرة الارتباكات السياسية والاضطرابات الأمنية، والانقسامات المذهبية والصراعات الطائفية التي حظيت بتغطيةٍ إعلاميةٍ غربية واسعة النطاق، تتدفق مخرجاتها عبر وسائل الإعلام الغربي بغزارة، دون تفريق بين سلوك المسلمين واختلافاتهم المذهبية واتجاهاتهم الطائفية وبين وسطية الإسلام وسماحته واعتداله؛ وترتب على ماسبق ردود أفعال سياسية محلية وإقليمية وعربية وعالمية عصفت بمكانة الدول العربية والإسلامية وتأثيرها في المجتمع الدولي، وأصبحت مشكلة عالمية يواجهها العرب والمسلمون اليوم على هيئة سيل من الأسئلة المحيرة، والاتهامات الموجهة التي تبعث في نفس المسلم الشك والارتياب في علاقة العرب بين بعضهم البعض، وتسلل الرهاب المذهبي بين نفوس العرب والمسلمين وأصبحوا يتوجسون من بعضهم البعض، ويصيبهم التوتر من ردود فعل الدول الغربية تجاههم، فلا يكاد يمر أسبوعٌ دون أن يثار سؤال خلال الحوار، أو الجدل في معظم دول العالم الغربي عن العرب والمسلمين، وقدرتهم على تحقيق السلم والسلام على أرض الواقع بين العرب أنفسهم خاصة، وتطبيقه مع شعوب العالم المختلفة وأصحاب الأديان الأخرى عامة، وذلك بسبب كثرة الصراعات المذهبية والطائفية في الدول العربية، وتزايد التطرف والعنف عند بعض العرب، ولم يكتف العالم الغربي بوصف العرب والمسلمين بالتطرف والعنف والإرهاب، وإنما - للأسف الشديد - تطاول العالم الغربي وعمم الأوصاف السابقة وألصقها بالدين الإسلامي نفسه، وقد روجت وسائل الإعلام الغربية في انتشار نظرة عالمية تتهم كل من ينتمي إلى الإسلام بالفكر المتطرف والسلوك المنحرف والإرهاب، وهذا الترويج الإعلامي الغربي ضد العرب والمسلمين العابر للحدود والقارات في ازدياد مستمر مع التقدم العلمي، والتطور التكنولوجي الذي ساعد على تقلص حدود المكان وتلاشي حيز الزمان، وبسبب الإساءات الغربية المتواصلة يظهر بين الحين والآخر من بعض المسلمين الغيورين على الإسلام بعض ردود الأفعال، التي تثمن لهم ويشكرون عليها; لأنها تدافع عن الإسلام وتتجاوز موقف الشجب والاستنكار على الإساءات الغربية المتواصلة على الإسلام والمسلمين وتصل إلى حد الدعوة إلى مقاطعة المنتجات الأجنبية، لكن المقاطعة للأسف الشديد مفعولها محدود الأثر؛ لأنها إذا حدثت تكون مدتها قصيرة تنتهي تدريجياً مع مرور الوقت. وفي الوقت الحاضر فل العرب والمسلمون المعاصرون في تحقيق واجبين رئيسين يجمعان بين الأصالة والمعاصرة هما:
(i): الحفاظ على مكانة الإسلام بين الأديان الأخرى، ووضع الإسلام والمسلمين في المكانة العالمية التي تليق به وسطاً بين الدول المعاصرة والأيدلوجيات المتنوعة والحضارات المختلفة والديانات السابقة.
(ii): تطبيق الإسلام وتجسيده كمنهج حياة يجمع بين الأصالة والمعاصرة. والسبب في ذلك ربما يرجع إلى عهدٍ قريب منذ عشرين أو ثلاثين سنة ماضية، حيث كانت القوة الإعلامية المؤثرة التي يمتلكها العرب والمسلمون آنذاك، في الغالب، محدودة ولا يتعدى تأثيرها المجتمع المحلي لأنها تقتصر على مصدرين فقط:
المصدر الأول: القنوات الرسمية التي تمتلكها الدولة والتي تتاح لأصحاب المعرفة والتجربة من شخصيات المجتمع فقط مثل: رئيس شركة أو مفكر اجتماعي أو شيخ ديني أو مسؤول حكومي، ودور الإعلام في ذلك الوقت كان محدوداً لا يتعدى حيز المجتمع المحلي بحسب قوة البث الإذاعي والتلفزيوني.
والمصدر الثاني: منابر الخطب الدينية والمنصات الثقافية والعلمية والفكرية التي تتاح للأئمة والدعاة في المساجد، والمثقفين والمفكرين والخطباء في الندوات المختلفة والمؤتمرات المتنوعة، التي أقتصر فيها الخطاب الاجتماعي والثقافي والديني على معالجة قضايا المجتمع الداخلية، ولم يتطرق إلى معالجة قضايا العرب والمسلمين التي تؤثر على مكانتهم في الساحة العالمية. وباختصار شديد فإن العرب والمسلمين في الوقت الحاضر أمام سلسلة من التحديات المحلية والإقليمية والعالمية تتوقف على مدى نجاحهم في توحيد انقساماتهم المذهبية، والقضاء على صراعاتهم الطائفية، وقدرتهم العملية على هدم فكرة (الإسلام فوبيا) و(الزنافوبيا) التي انتشرت بين شعوب العالم الغربي، وألصقت الإرهاب العالمي بالعرب والمسلمين، لذلك فإن العرب والمسلمين بحاجة إلى العمل الجاد على عدة جبهات في آنٍ واحدٍ كالتالي:
الأولى: إصلاح أنفسهم وذات بينهم وأن يغضوا الطرف عن القضايا الفرعية ومواطن الاختلاف السطحية، والقضاء على خلافاتهم المذهبية وانقساماتهم الطائفية لتحقيق الاستقرار والأمن الداخلي، وتحسين صورتهم الخارجية أمام العالم بأسره.
الثانية: توظيف قضايا الاتفاق وأصول الدين الإسلامي - وما أكثرها - ودعمها للوصول إلى مرحلة التعاون والتكاتف، والاتحاد المثمر البناء لتحقيق التقدم والتطور والنمو؛ لإثبات كفاءة العرب والمسلمين وجدارتهم أمام العالم
الثالثة: بناء قوة إعلامية رائدة ومؤثرة تنافس الإعلام الغربي لتعبر الحدود والقارات لتصحيح آراء الساخطين، وإقناع المسيئين الغربيين بتغيير مواقفهم المجحفة تجاه العرب والمسلمين.
الرابعة: توظيف مصادر الإعلام الحديثة المتمثلة في تصميم وإنشاء محركات بحث إسلامية قوية على شبكة الإنترنت، وبديلة للمحركات الغربية لتوفير المعلومات الصحيحة للباحثين بطريقةً فورية، وتوظيف شبكات التواصل والفضائيات لإظهار وسطية الإسلام واعتداله.
وعند تحليل المفهوم السائد في الدول الغربية، نجد أن الصورة النمطية للرجل العربي في ذهن الرجل الغربي تتمثل في النفط والتخلف والإرهاب، وتشكل المكون الرئيسي لنظرة العالم الغربي تجاه الشعوب العربية، وهذا المفهوم الغربي أكد قناعة أغلب العرب والمسلمين بأن هناك مؤامرة دولية تحاك ضدهم، وفي نفس الوقت وعلى قدم المساواة من الوضوح، نجد أن منهج آلة الإعلام الغربي وردود الفعل السياسة الغربية تغذي تلك القناعة، وترسخ عقدة المؤامرة؛ لأن كثرة الجدل حول الإسلام تشحذ فضول الجماهير، فتصبح جاهزة بآذان صاغية للخطاب السياسي عند مرشحي الانتخابات في دول العالم الغربي مثل: الخطاب السياسي للمرشح الجمهوري الأمريكي دونالد ترمب.
وبالرغم من كل ما سبق فإن حملات الإساءة العالمية السابقة ضد العرب والمسلمين قد منيت بالهزيمة وباءت بالفشل الذريع، والدليل على ذلك التزايد المستمر في نسبة الغربيين المعتنقين للدين الإسلامي على مدى العشر سنوات الماضية. ومهما كانت نظرة الاستياء الغربي للعرب والمسلمين، يجب علينا نحن العرب أن نطبق مبدأ الاختلاف مع الآخرين في الرأي لا يفسد للود قضية، وأن نتقبل الاختلاف في الرأي والتعايش مع الآخرين لتجنب الفرقة والتمزق، والحيلولة دون حدوث خسائر في العلاقات والثوابت والمصالح، وللبقاء على المودة والمحافظة على الأمن الداخلى والإقليمي، واستمرار العمل وزيادة الإنتاج لتحقيق نتائج مربحة للجميع وعدم تضرر الوطن؛ لأن ديننا الإسلامي يدعونا إلى ذلك، كما أن كثيراً من الدول والشعوب، في الشرق والغرب، نجد بين أبنائها وجماعاتها وأحزابها وطوائفها اختلافاتٍ كثيرةً وعميقةً، لكنها استطاعت أن توظف تلك الخلافات للحفاظ على وحدتها وقوتها وبناء المجتمع وتقدمه وتطوره.
إنه لمن المؤسف حقاً، والمؤلم جداً أن تصرح المستشارة الألمانية ميركل في القمة الحكومية بدبي منتقدة أوضاعنا العربية والإسلامية بقولها « إن الهند والصين عندهم أكثر من 150 إله و800 عقيدة مختلفة ومع ذلك يعيشون في أمانٍ وسلامٍ مع بعضهم البعض، بينما المسلمون ربهم واحد ونبيهم واحد وكتابهم واحد لكن شوارعهم تلونت بالأحمرمن دمائهم؛ القاتل يصرخ الله أكبر والمقتول يصرخ الله أكبر»؛ فلنعتبر ولنتفق ولنتحد يا أولي الألباب.
الخلاصة:
أن تحسين صورة العرب والمسلمين في عيون العالم الغربي يجب أن تبدأ من العرب أنفسهم بنبذ الخلافات، والقضاء على الصراعات بينهم لتحقيق الاتحاد، لإجبار الغرب على وقف الإساءات المتواصلة ضد العرب والمسلمين