م. خالد إبراهيم الحجي
إن الحياة الكريمة هدفٌ رئيسيٌّ للمجتمعات، ومعظم الناس يسعون بنشاط ويكدحون بجد لتحقيق هذا الهدف، كما أن الإدارة الاقتصادية في جميع الدول تسعى في نفس الوقت لتحقيق الحياة الكريمة للمواطنين، ورفع مستويات المعيشة للمجتمع بالاعتماد على الذات، وتحقيق التقدم والتطور والرفاهية للمجتمع؛ وبالتالي فإن المسؤولين القائمين على إعداد الخطط الخمسية المستقبلية للتنمية وصياغتها ومتابعة تنفيذها يوظفون السياسات الاقتصادية، والسياسات الأخرى المكملة لها لتحقيق أعلى مستويات المعيشة الممكنة للمواطنين والمجتمع؛ ومن المؤكد في الوقت نفسه أن تحقيق مستويات معيشية أفضل يتطلب نموا اقتصاديا؛ وبالتالي فإن السؤال الملح الذي يطرح نفسه بقوة كيف نستطيع أن نحقق ارتفاعا في معدلات النمو الاقتصادي؟ والجواب نجده في مجموعة من العوامل، بعضها يتألف من السلوكيات العقلانية المقتصدة مثل: الترشيد والتوفير وعدم الإسراف والتبذير والهدر، والبعض الآخر يتألف من المفاهيم والنظريات المعروفة مثل: زيادة عدد العاملين لزيادة الإنتاج، واستخدام تطبيقات التكنولوجية الحديثة لتحسين كفاءة منظومة العمل، وتنويع مصادر الدخل بالاستثمار وتوظيف الأموال. نعم، بلا شك، كل ما سبق مهم جدا وله دور جوهري في الأداء الاقتصادي العام، لكن في البيئة التنافسية المعولمة، فإن الهبة والمنحة والمزايا من العوامل السابقة تأتي في الدرجة الثانية بعد الإنتاجية التي يقصد بها: «القيمة المادية للإنتاج خلال ساعة عمل واحدة»، والإنتاجية لا يمكن حسابها بشكل مباشر ومن الخطأ الشائع تقدير الإنتاجية بالطرق التقليدية مثل: ضعيف، جيد، جيد جداً، ممتاز، ولقياس الإنتاجية بشكل حقيقي يجب حساب معدلها بقسمة الناتج المحلي على مجموع عدد ساعات العمل خلال مدة زمنية محددة، مثل حساب معدل الإنتاجية لكل قطاع على حدة لمدة شهر واحد، وحساب معدل الإنتاجية لجميع قطاعات الناتج المحلي لمدة ثلاثة شهور، ومن هذا المنطلق نجد أن معدل الإنتاجية له قدر كبير من الأهمية عند الاقتصاديين؛ لأن حساب معدل الإنتاجية يفيدنا في الجوانب التالية:
(1): زيادة معدل الإنتاجية دليل على تحسن مستويات المعيشة للأفراد والمجتمع على المدى الطويل.
(2): زيادته مؤشر على تناقص معدلات البطالة وتزايد معدلات العمل في الاقتصاد الوطني.
(3): زيادته تعتبر مؤشراً قويًّا للتنبؤ بمستويات نمو الإنتاج المحلي والدخل الوطني، من خلال دراسة وتحديد معدلات النمو في مختلف المجالات مثل: الصناعات المختلفة والأعمال التجارية، أو لمعرفة معدلات الرواتب ومستويات التحسن في تطبيقات التكنولوجيا، وغيرها من أدوات ومكونات الناتج المحلي الأخرى.
ونمو معدل الإنتاجية هو المفتاح لتحقيق التقدم والتطور والازدهار المستدام، وتحسين معدل الإنتاجية هو الطريق إلى تحقيق مستويات عالية من الدخل، ودليل على النمو الاقتصادي؛ لأنه كلما ارتفع معدل الإنتاجية في الاقتصاد الوطني ارتفع المستوى المعيشي للمجتمع، وزادت قدرته على الشراء، وعلى العكس من ذلك؛ فإن التراجع في المستوى النسبي لمعدل الإنتاجية يسبب انخفاض المستوى المعيشي في المجتمع ويقلل من قدرته على الشراء؛ وتتراكم أضرار التراجع مع مرور الوقت على حساب المجتمع والوطن ويؤدي إلى الجمود الاقتصادي؛ لذا فإن المحافظة على تنامي معدل الإنتاجية، حتى ولو كان ضئيلاً، يترتب عليه، مع مرور الوقت، فوائد ملموسه على مستوى شرائح المجتمع المختلفة والصالح العام للدولة. وتحسين معدل الإنتاجية معادلة صعبة ومركبة؛ لأن التحسين في النهاية مرتبط بإنتاج الأفراد والقرارت السيادية للمسؤولين عن زيادة الإنتاج المحلي والنمو الاقتصادي، وتحسين معدل الإنتاجية على المدى الطويل يتطلب اتخاذ الإجراءات العملية التالية:
أولاً: تربية الأبناء والبنات: على الجد والإخلاص والتفاني في العمل، وآدائه بإتقان كي يولد لديهم إحساساً بأهمية الإنتاجية في حياتهم العملية، ودور الفرد في تحقيق النمو الاقتصادي وخدمة الوطن.
ثانياً: الانتظام في العمل وتقديره: وغرس احترام التوجيهات وتنفيذ التعليمات والأنظمة الإدارية الموضوعة لسير العمل لتوفير مناخ العمل الجاد.
ثالثاً: تحسين الآداء الوظيفي: من خلال ورش العمل المناسبة، وإقامة الدورات التدريبية الفعالة لتطوير آداء العاملين في تخصصاتهم المختلفة، وزيادة مستويات المهارة للأيدي العاملة.
رابعاً: توظيف التكنولوجيا: التحول الجاد والسريع من قبل المؤسسات المتنوعة والهيئات المختلفة إلى توظيف تطبيقات التكنولوجيا الحديثة في جميع قطاعات الإنتاج المحلي، مثل: تطبيقات الحواسيب وبرامج السيطرة والتحكم الوظيفي والمالي والإداري؛ لأن القدرة على إدخال التكنولوجيا الحديثة وتطبيقاتها المتطورة من صفات الدول الصناعية التي تحرص على زيادة معدل الإنتاجية وتحسين النمو الاقتصادي .
خامساً: تطوير النظم الإدارية التقليدية: إلى نظم الإدارة الحديثة التي تضع في المقام الأول تحسين آداء العمل وتطويرة لرفع معدل الإنتاجية وتحقيق النمو الاقتصادي.
سادساً: توظيف الأموال وتنويع الاستثمار: في المجالات المختلفة، والسعي بجد واجتهاد من قبل المؤسسات والشركات والهيئات الحكومية إلى تنويع مصادر الدخل الوطني.
سابعاً: سن القوانين: أن تعمل السياسة المرسومة للهيئات الخاصة ومؤسسات الدولة على سن القوانين التي تؤدي إلى تحسين آداء العمل، لرفع معدل الإنتاجية بشكل عام مثل: العناية بالرعاية الصحية، ودعم الضمان الاجتماعي ونظام التقاعد.
ثامناً: الانفتاح التجاري: وتشجيع الاقتصاد الحر لخلق التنافس بين المنتجات المحلية والأجنبية، مع أخذ الحيطة والحذر من التأثيرات الخارجية على العادات والتقاليد والقيم الإسلامية. لأن المنافسة تحسن الخدمات اللوجستية (التخزين والصرف)، وتجبر العاملين على تحسين الجودة النوعية لمنتجاتهم، وتحفزهم على التجديد والابتكار وتحقق الديناميكية اللازمة للآداء الأفضل؛ لتستطيع المنتجات المحلية منافسة المنتجات المستوردة.
ومع الانخفاظ الحاد لأسعار البترول وأثره السلبي على الاقتصاد الوطني فإن معرفة معدل الإنتاجية أصبح حيويًّا جداً، ويجب وضعه في الاعتبار للمحافظة على نمو الإنتاج المحلي، وتوازن عجلة الاقتصادي الوطني، كما يجب ربطه بتوظيف الموارد البشرية التي تشكل هاجساً أساسياً ومقلقاً لأصحاب المؤسسات والشركات، لتأثيرها المباشر على الصناعات والأعمال التجارية، لذلك تظهر الحاجة الماسة إلى حسن توظيف الموارد البشرية التي لا يتم الحصول عليها إلا بشق الأنفس، والعمل الجاد على إعادة النظر في توظيف الموارد البشرية بطريقتين الأولى : توفير الأيدي العاملة السعودية المدربة تدريباً جيداً لأنها شحيحة ونادرة بل تكاد تكون معدومة، والثانية: ترشيد الاستقدام الخارجي بدلاً من الاعتماد في الدرجة الأولى على الأيدي العاملة الأجنبية. وحساب معدل الإنتاجية مؤشر لا غنى عنه لنشر الوعي الاقتصادي؛ وبالتالي يجب أن تعلن عنه الجهات المختصة (هيئة الإحصاءات العامة) أربع مرات في السنة في وسائل الإعلام المختلفة جنبا إلى جنب مع إجمالي الناتج المحلي.
الخلاصة: إن التحسين المستمر للإطار الواسع الذي يشكل الإنتاجية ومحفزاتها عملية جوهرية يجب ألا تتوقف، ولمعرفة الإنتاجية يجب قياس معدلها ومقارنة المعدلات المتتالية مع بعضها البعض.