نجيب الخنيزي
مائة عام مرّت على اتفاقية (سايكس- بيكو) التي قسمت تركة الدولة العثمانية وخصوصًا المنطقة العربية، وذلك ضمن اتفاق سري بين دولتين حليفتين في الحرب العالمية الأولى (بريطانيا وفرنسا) إلى جانب روسيا التي كانت تحت حكم القياصرة، فبموجب تلك الاتفاقية تم تقسيم الأقاليم العثمانية بعشوائية وعلى الورق إلى مناطق خاضعة لبريطانيا أو فرنسا حيث جرى تفتيت ما يسمى منطقة الهلال الخصيب أو الشام إلى ما بات يعرف بسورية ولبنان وفلسطين والعراق والأردن. تزامن معه خلق حدود وكيانات في منطقة الخليج الساحلية إضافة إلى عدن التي كانت محتلة من قبل بريطانيا، أعقب تلك الاتفاقية صدر وعد بلفور (1917) القاضي بمنح فلسطين لليهود. وعلى إثر ثورة أكتوبر البلشفية في روسيا عام 1917 جرى الكشف عن محتوى تلك الاتفاقية لكن بعد أن فات الأوان.
في مجرى النضال الوطني التحرري من أجل الاستقلال تشكل ما بات يعرف بالدولة الوطنية. وقد واجهت الفكرة القومية والنزعة الوحدوية العربية التي عبّرت عن تطلعات العرب وبالأخص لدى عرب المشرق (النزوع القومي لدى عرب المغرب تمثل في إقامة الدولة الوطنية) تحديات وعراقيل جدية (موضوعية وذاتية) فمن جهة هنالك التجزئة التاريخية الممتدة لعدة قرون وتمثلت في قيام دويلات وولايات عربية متنابذة ومتصارعة وحين توحدت هذه الدويلات تحت ظل السيطرة العثمانية ظلت العلاقات والصلات التي تحكمها تمر عبر المركز (الاستانة) باعتبارها ولايات تابعة للخلافة العثمانية التي مارست بدورها سياسة التتريك والبطش وفرضت تعيين الولاة والقادة العسكريين والجباة من الأتراك مع ترك هامش معين للزعامات الأرستقراطية المحلية (كبار الإقطاعيين ورؤساء العشائر والقبائل) في إدارة الشؤون المحلية وحين قويت بعض الزعامات المحلية بما في ذلك الزعامات ذات الجذور غير العربية استطاعت فرض نوع من الاستقلال (محمد علي في مصر والمخزن في أقطار المغرب العربي) مع التمسك بالتبعية الرمزية لسلطة المركز (الخلافة) وسعت لإرساء دعائم ومقومات الدولة الحديثة، غير أنه سرعان ما أجهض هذا التوجه بفعل محدودية وانتقائية وقصور التجربة وبفعل الحصار والتحجيم الذي مارسته الدول الغربية، أخيرًا بفعل السيطرة والهيمنة الاستعمارية المباشرة إثر انهيار الدولة العثمانية بعد حرب 1914م (الحرب العالمية الأولى) وهزيمة الثورة العربية الكبرى (1916م) وإجهاض مشروع قيام المملكة العربية المتحدة، الأمر الذي فرض على العرب خوض معارك وثورات الاستقلال الوطني من أرضية قطرية وتحت زعامات محلية في المقام الأول، ونذكر هنا الثورة المصرية 1919م بقيادة أحمد عرابي، والمغرب تحت قيادة العائلة العلوية وليبيا تحت قيادة السنوسية، والسودان تحت قيادة المهدية، وثورة العشرين في العراق تحت قيادة رجال الدين وزعماء العشائر ثم تثبيت فيصل الأول 1922م ملكًا على العراق إثر فشل ثورة 1925م في سوريا، وتنصيب الملك عبدالله بن الحسين ملكًا على إمارة شرق الأردن، وقيام دولة لبنان الكبير 1921م، وأدى رحيل الاستعمار المباشر من معظم الدول العربية بعد الحرب العالمية الثانية (تأخر استقلال دول المغرب العربي حتى أواسط الخمسينيات أما الجزائر فلم تنل استقلالها إلا في سنة 1962م) إلى تكوين الدول العربية المستقلة التي تكرس استقلالها بيثاق الجامعة العربية الذي ينص على الاعتراف بالحدود القائمة لكل دولة عربية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لكل دولة. للحديث صلة .