القرية ليست منازل تُبنى فقط، بل علاقات إنسانية ووجدانية في ظل تنظيمات اجتماعية من عادات وتقاليد وقيم ودين. القرية وحدة اجتماعية قبل أن تكون وحدة سكنية يلتقي سكانها في الأفراح والأتراح ودور العبادة والأسواق، والبيت أحد المكونات الأساسية للثقافة المادية التي تلتقي عندها مجموعة العلاقات المتشابكة مع بقية العناصر الأخرى. لذا حرص سكان وادي قوب اختيار المواقع المناسبة لتأسيس قراهم تبعاً للحياة المعيشية سواء زراعة أم رعي أم تجارة، مع ضرورة مراعاة البعد عن مسار وممرات الوادي، بل تركوا ضفاف الوادي مساحة جمالية يزينها المصاطب الزراعية والتي تأتي على شكل مدرجات بحسب تدرج الخطوط الكنتورية لسفوح الجبال، وتحكي تلك المصاطب حضارة زراعية امتدت لآلف السنين تفاعل فيها الإنسان مع البيئة مستفيداً من خيراتها من حبوب الحنطة والذرة والبوسن والفواكه خصوصاً العنب والحماط واللوز، فضلاً عن قيمة المدرجات في الحفاظ على التربة من الانجراف بفعل الأمطار، والمشاهد لتلك المدرجات يصاب بالدهشة في كونها بقيت لمئات السنين محتفظة بجدرانها رغم الإهمال الذي تعاني منه حالياً، أما المنازل فلها حكاية أنيقة ممزوجة بعرق وتعب وجهد أهلها السابقين، إذ يتم اختيار المواقع المناسبة ومن ثم الحفر لعمق متر في باطن الأرض ليبدأ البنيان من الحجارة المجلوبة عن طريق الجمال من الجبال البعيدة ليبدأ البناؤون المهرة في تشييد المدماك بسمك متر ليرتفع بحسب عدد أدوار المنازل ويراعى اختيار الأحجار الصلبة ذات الأوجه المتساوية كي يتناسق منظرها، ويسقف المنزل بأخشاب العرعر والتي يطلق عليها بطن مع أغصان صغيرة (الجريد) أما إذا كانت المساحة واسعة فيتم الاستعانة بالسواري أخشاب طويلة تتكئ عليها البطن بشكل طولي ويغطى السقف بشجيرات العرفج ويردم بالطين ويراعى اختيار مواضع الأبواب والنوافذ المزيّنة بالنقوش، ويقوم المنزل بكامله على الزافر الذي يتميز بنقوشه البديعة بمثابة لوحة فنية، ويتم طلاء جدران المنزل من الداخل بالشيدة كي تحفظ الدفء وتحميه من الحشرات، والبيوت غالباً ما تكون من دورين يخصص الدور الأسفل للحيوانات والأعلاف، أما الدور العلوي به غرفة استقبال الضيوف والعلية والمشب، والجهوة وهي الشرفة التي يطل من فوقها على الفناء الخارجي، وتزيّن مهمة المنزل بالجون من أحجار المرو الأبيض البارزة والمرصوصة بأبعاد متساوية، والفترة من الفخار توضع على سطح النزل تسمح بمرور الهواء وأشعة الشمس، ولكي يخرج منها الدخان والأبخرة من جراء الطهي وسكان القرية يحرصون على بناء مرفقين مهمين المسجد مكان لعبادة يتوسط المنازل ويسهل الوصول إليه من جميع الزوايا، والحصن يشيد فوق قمم الجبال للحماية في أزمان ماضية، أما التشكيل البصري للقرية فهناك الممرات (المساريب) التي تفضي بمرور الناس والدواب مع ترك مساحة واسعة بين البيوت تُقام بها الاحتفالات سواء في الأعراس أو الأعياد، والقرية مترابطة تكاد تكون منزلاً واحداً.
- جمعان الكرت