يكاد يتفق كثير من النقاد ودارسي الأدب العربي على أن من أكثر المشاكل انتشاراً في البحوث الأدبية المعاصرة، صعوبة تطبيق النظرية الغربية على المدونة العربية بكافة مقولاتها وفرضياتها؛ ذلك لأن كل النظريات الغربية قد نشأت وتطورت لتتواءم مع نتاج مجتمعاتها، بمعطياتها التاريخية، وروافدها المعرفية الممتدة عبر حقب من الزمن، ولأن تلك النظريات - أيضا - جهد بشري يحيل على فهم خاص وفق تصورات فلسفية وجمالية معينة، لا تتفق - في غالبها - مع كثير مما يوجد في تراثنا نحن العرب.
ويخطيء بعض الباحثين المبتدئين في ميدان الأدب حين يستعيرون تلك المقولات بحذافيرها لما بين يديهم من نصوص، فيصبون النص الشعري أو النص النثري/السردي العربي في قالب التصور المستورد؛ ليطبقوا عليه مقولات وفرضيات الفلاسفة الغربيين، ويتوهم كثير من أولئك المأخوذين بتطبيق النظرية الغربية حد الثمالة أن لديهم نتائج مشابهة كلياً لما طرحه أولئك الفلاسفة الكبار، الذين وصلت إلينا أعمالهم مترجمة بعد عقود من الزمن، وبعد حوادث كبيرة وكثيرة قلبت أنظمة العالم الاقتصادية والسياسية والفكرية رأساً على عقب.
والحق أن أسباباً كثيرة تجعل من النظرية الغربية أنموذجاً يحتذى به في ميادين العلوم الإنسانية لدينا؛ منها أنها وصلت إلى القارئ العربي على شكل بحوث ودراسات متينة ومُحْكَمَة، ومن خلال مناهج علمية راسخة وواضحة، كمية ووصفية، تعين على تتبعها ومحاكاتها والإفادة من أدواتها، ومنها-أيضا- أنها تمتاز بالشمول والتكامل، حيث تمتد إلى أكثر من حقل معرفي، فمثلاً نجد النظريات التي تفرعت من الماركسية تطبق مقولاتها وتدرس في علوم الاجتماع والاقتصاد والسياسة والأدب، وكذا ماتفرع من الرأسمالية وبقية النظريات الأخرى، إضافة إلى أن الأوساط العلمية والثقافية في بلاد الغرب تحتفي بشكل مبالغ فيه بما يستجد من طروحات فكرية، ويعدون ذلك من قبيل تطور العلم، بعكس ما نجده في الوطن العربي، حيث التوجس والخوف من كل طرح جديد هو السائد، وكأننا غير قادرين على استيعاب ما يجد في الفكر الإنساني، أو كأننا لم نكن قادة العلوم يوماً ما.
إذن كيف يمكن التوفيق بين النظرية الغربية والنص العربي؟
إن من المهم هنا، ومن المنطق أيضاً، في استعارتنا لما أنتجه الفلاسفة والنقاد الغربيون من نظريات لها دويها التاريخي وأثرها العريض في مساحة الفكر البشري النقدي، ألا يكون تتبعنا لمفردات مقولاتهم طاغياً ولا مبالغاً فيه، فنلبس نتاجنا العربي ثياب النظرية الغربية بعجرها وبجرها، ويصبح عملنا منصباً على كيفية إلحاق ما وجدناه في تراثنا العربي بما وافانا به الغرب من نظريات وفرضيات، وتتحول بحوثنا إلى استعراض لقدراتنا على محاكاتهم وتطبيق نظرياتهم ميكانيكياً، فنفقد شخصيتنا التحليلية ونضيع ذائقتنا الخاصة، وينتفي الغرض الأهم وهو الإفادة من المجهودات البشرية في مختلف الأمم دون الاعتماد عليها كلياً، بل يجب أن نوظف ذلك فيما بين أيدينا من أعمال رفيعة دون عسف أو رصف، مع مراعاة الشروط الذاتية والموضوعية لنشأة النماذج والأنواع الأدبية وتطورها، واعتماد المحددات التاريخية التي لا يخلو منها أي مجتمع إنساني.
ونصيحتي لكل الباحثين في حقل الأدب والنقد، وأنا منهم، ألا نعول كثيراً على النظرية الغربية في دراسة الأدب العربي، وألا نؤخذ بما يستجد من بحوث حولها، حتى ندقق فيها وفي مدى ملاءمتها لواقعنا، لأننا، وبقليل من التأمل، سنكتشف أن ثراء تراثنا لا تحده نظريات وضعت لغيره، ولا فرضيات صنعت لسواه، ولا مقولات جاءت لاحقة له، وأما تلك الدهشة التي تقرع رؤوسنا حين تقع أعيننا على تطبيقات النظريات الغربية، فهي – ولا شك - دهشة مشوبة بأثر القراءة الأولى.
يقول محمد عابد الجابري:
«... التخطيط لثقافة المستقبل في الوطن العربي يجب أن يمر عبر التخطيط لثقافة الماضي... ذلك لأنه ما من قضية من قضايا الفكر العربي المعاصر إلا والماضي حاضر فيها كطرف منافس، وذلك إلى درجة يبدو معها أنه من المستحيل علينا، نحن العرب المعاصرين، أن نجد طريق المستقبل مالم نجد طريق الماضي»
- د. حمد الهزاع
h.hza@hotmail.com