د.محمد بن عبدالرحمن البشر
الطيبون مقصد كل بني البشر، والملجأ إليهم بعد الله في الملمات، وهم الذين يخدمون الناس بأموالهم، وجاههم، وحسن خلقهم، وهم القادرون بعون الله على إدخال البهجة على الكثير من الناس، وهم لا يختلفون في شيء عن الغير سوى قلب رحوم، وأدب جم، وخلق رفيع، يتملكهم الإحساس نحو البشر، أياً كان الجنس أو اللون أو القبيلة أو المكان أو الزمان، وليس بالضرورة أن يكونوا على درجة عالية من العلم الشرعي، أو الفهم الدنيوي، أو أن يكونوا أكثر التزاماً بالقيام بالعبادات من صلاة وصوم وحج، وبعد عن الخنى، وتمسك بالجلى، لكنه يحمل قلباً طاهراً نقياً محباً للخير. يجد فيه لذه لا تضاهى، وسعادة لا تبارى، وهو في عمله ذلك، يسعد الآخرين ويسعد كما يسعدون بما يقدمه لهم.
هذا الجنس البشري الرائع تحتاجه بشرية هذا العصر الذي غلبت على البعض من أهله حب الذات، والتلذذ بالانتقام، وأخذ حقوق الناس بغير حق، والبحث عن مخارج أخلاقية وشرعية ليروم هدف حدده مسبقاً، وعرضه على شهوته، قبل عرضه على الحق والإنصاف.
الذين حباهم الله القلوب الطيبة، قد يكونون أثرياء أو فقراء أو في مناصب عليا أو مناصب أقل، لكنهم جبلوا على الخير وسعوا في ركابه، وأناخوا ببابه، لا يردهم عن ذلك أمر مستطاع، وهم لا يألون جهداً، ولا يتركون باباً إلاّ وطرقوه لفعل الخير لسواهم، وتحقيق المنى لمن أتاهم، وندعو الله أن يكثر هؤلاء، فيكون الأغلب، وأن ينشروا في الأرض، ويكون أصحاب الشأن الأمجد.
في ظلام الليل، وعند الغسق، يرفع المسلمون أكفهم بالدعاء، تضرعاً ورجاء، لعل الله أن يفتح لهم باباً مغلقاً، وطريقاً موصداً، ودرباً ممهداً، وحسبي بأولئك الطيبين أن يكونوا هم أصحاب تلك الأبواب والطرق الصعاب، فهم الأسباب التي تقضى على أيديهم حوائج الناس، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم «حاجة الناس إليكم نعم الله عليكم، فلا تردوا النعم» أو ما معنى الحديث.
إنها قيم قد تقل ولا تزول، وتفيض في عصور، وتنضب في دهور، تجدها جلية في عهد العدل والإنصاف، والبحث عن القناعة بالكفاف، وتجدها تطغى في عصور الحروب والطغيان، والبعد عن اتباع مكارم الأخلاق التي جاء الرسول صلى الله عليه وسلم لإتمامها.
قد لا تجد حولهم أتباعا، ولا مداحين ولا أشياعا، لكنهم ربما يكونوا أكثر سعادة، وأعظم بهجة من غيرهم، يحلقون في الفضاء الواسع بالسعادة التي لا تفارقهم، فهم سعداء بقناعتهم، وسعداء بإسعاد غيرهم، فيالهم من أناس أفذاذ، راموا العيش في كنف السعادة فنالوا شأوهم، وحققوا مناهم وغايتهم، وهي الغاية التي يبحث عنها كل فرد، ورمى بسهمه نحوها من عاش في كل عهد. يقول الشافعي:
ولست أرى السعادة جمع مال
ولكن التقي هو السعيد
نعم إن التقي هو السعيد، فما هو التقي يا ترى؟، لا شك أن تلك الخصال التي ذكرناها هي لب السعادة وأسها، وبناؤها وأساسها. جعلنا الله وإياكم ممن يسعى إلى الخير لذاته ولغيره، ليعيش سعيداً في دنياه، وينال رضى الله في أخراه.
لكن الطامحين أجناس، وهم قصدهم إلى الخير أضياف، فمنهم من ألزمته الحاجة وشدة الفاقة، إلى طرق الأبواب رغم العفاف، وتردده في الطلب من فلان وفلان، سواء مالاً أو جاها، ولكن لابد مما ليس منه بد، وهناك من كانت حاجته ليست ماسة، ويمكنه قضاؤها بشيء من الجهد والعمل، ومع هذا فهو يختار أيسر السبل، وأقصر الطرق، فلا عناء يريد، ولا يريد أن يكرر ويعيد، وآخرون ليس لديهم حاجة، لكنهم جبلوا على طرق الأبواب رغم غناهم عنها، وقدرتهم على نيل مناهم مما هو أفضل منها، لكنهم هكذا ساروا عبر السبيل وظلوا كذلك، ليس لطلبهم حدود، ولا لرغباتهم قيود، يرون في ذلك صفة تغني عن الإنتاج، وهم يرون ذلك شطارة، فهم شطار هذا الزمان وورثه من مائلهم في غابر الأيام.
جعلنا الله فاعلين للخير، وأغنانا بنعمه عن سائر خلقه.