مرّ التعليم في المملكة العربية السعودية بمراحل عديدة خلال مسيرة تطوره، فقد ألزمت الدولة نفسها بإيصال التعليم إلى كافة أفراد المجتمع وبناء المدارس في القرى والهجر والمناطق النائية، وقد نجحت القيادة في تغيير ثقافة المجتمع بشكل كبير في نظرتهم تجاه أهمية التعليم، وتحقق الهدف الأساسي التي كانت تسعى إليه الذي بنيت عليه وثيقة سياسة التعليم في المملكة العربية السعودية وهو نشر التعليم ورفع جودته والتوسع فيه.
ويمكن القول: إننا حققنا نجاحاً في تحقيق الكفاءة الكمية في مخرجات التعليم _نقصد في حديثنا التعليم العام_، وهذا يعد نقلة جيدة لنظامنا التعليمي خلال مسيرته.
ولكن آن الأوان للاهتمام بشكل جدّي في الكفاءة النوعية، فمخرجات التعليم لازالت دون المستوى الذي نطمح إليه، فحتى الآن لم يصل طلابنا إلى المستوى المطلوب في التحصيل العلمي، فلا يزال هناك لديهم نقص في مهارات الاتصال والحوار، وتظهر لديهم وبشكل واضح غياب الدافعية نحو التعلم، إضافة إلى وجود فجوة كبيرة بين التعليم العام والتعليم الجامعي.
ويرجع ضعف المخرجات إلى مشاكل وصعوبات تراكمت في النظام التعليمي، فالمتأمل في وثيقة سياسة التعليم في المملكة العربية السعودية الصادرة عام 1390هـ، يجد أنها خدمت التعليم خلال مسيرته التي تقارب الخمسين عاماً، ولا نختلف على قوتها ومتانة أسسها وأهدافها، ومساهمتها في تحقيق الأهداف الرئيسة للتعليم، إلا أنها ورغم ما حققته من نجاح حتى الآن، لازالت تحتاج إلى تحديث وتطوير لمواكبة تقدم العصر ومستجداته وفق منهج الدولة التشريعي.
ومع التركيز على المعلم بصفته أساس العملية التعليمية والذي يفتقد للرضا الوظيفي الذي يؤدي إلى تدني الدافعية نحو تطوير نفسه ومهاراته، وكذلك المباني المدرسية سواء المستأجر منها أو المباني الحكومية فهي للأسف بيئة غير جاذبة للطلاب بوضعها الراهن.
إن مسيرة القيادة الإدارية في التعليم خلال السنوات القليلة الماضية، أظهرت لنا بعض الاجتهادات غير الموفقه أحياناً في أساليب الإدارة في قطاع التعليم، وقد يعود ذلك لبحث المسؤول عن قرارات وبرامج كحلول سريعة لمشاكل نظام تعليمي ضخم تراكمت فيه المشاكل.
إن النظام التعليمي لدينا يحتاج إلى إصلاح جوهري قبل التفكير في التطوير، فالترقيع والتخبط الحاصل سيجعلنا نسير في طريق لا نبلغ به أهدافنا المرجوة.
ولعل ما يدعونا إلى التفاؤل في مستقبل أفضل للتعليم تلك المبادرة التي أطلقها ولي ولي العهد رئيس مجلس الاقتصاد والتنمية خلال شهر ديسبمر من عام 2015م وهي (برنامج التحول الوطني - المملكة 2020م) والذي حوى في مقدمة مكوناته التحول في التعليم، ولازلنا نتطلع إلى ظهور ملامح ذلك التحول الذي سيحصل من قبل المسؤولين في التعليم.
لقد لامس وزير التعليم الجرح في مقاله الأخير الصادر يوم الأحد الموافق 11/6/1437هـ، لكنه للأسف لم يأت بدواء لهذا الجرح، فأن نضع أيدينا على موضع الخلل أمر جيد _وإن كان موضع الخلل كان واضحاً للمهتمين بالشأن التعليمي_ إلا أننا كنا ننتظر من معاليه أن يسرد لنا محاور الخطة العلاجية وآلية تنفيذها.
إن إصلاح التعليم ليس بالأمر المستحيل لكنه يحتاج حلولا جادة جذرية جريئة بعيدة عن العشوائية، نحن لا نفتقد للقيادات المتمكنة والمتخصصة ولا نفتقد للموارد المالية فميزانية التعليم ضخمة وقادرة على تمكين المسئولين من تحقيق مستوى تعليمي متميز، ولا نفتقد للحلول اللازمة لمعالجة ما يعاني منه التعليم، فنتاج البحث العلمي المتخصص في تطوير التعليم تملأ الرفوف، بل ما نفتقد إليه في الحقيقة هو التوظيف الصحيح لتلك المقومات.
إن نظامنا التعليمي بحاجة إلى خطة استراتيجية جريئة في أهدافها واضحة في خطواتها وخلال مدة زمنية محددة، معلنة ومنشورة للجميع، حتى يسهم جميع المختصين في التعليم في تنفيذ أهدافها، ومن حق الجميع ككوادر عاملة في الميدان التربوي وكمهتمين بالشأن التعليمي وكمواطنين نعيش في هذا الوطن، أن نطلع على الطريق الذي يسير فيه التعليم لدينا، وبذلك يشاد بمن أجاد ويحاسب المقصر.
لقد سئمنا من القرارات العشوائية التي تبحث عن حلول سريعة بلا تخطيط، والكلام التنظيري الذي يهدف إلى تهدئة وتخدير المجتمع.
فيما لم تظهر خطة استراتيجية واضحة المعالم خلال هذه الفترة، فإننا سنجيب عما تساءلت عنه يا معالي الوزير في عنوان مقالك، أن تعليمنا يسير إلى المجهول!
- باحثة ماجستير في الإدارة والتخطيط التربوي