محمد آل الشيخ
جماعة الإخوان بعد هزائمهم المتكررة في ما يسمى (الربيع العربي) أدت إلى انكشافهم وانكشاف نظرياتهم السياسية والاقتصادية، وبدا واضحاً ارتباكهم و تشرذمهم، وتشرذم مناهجهم الفكرية، والتي اضطرتهم إلى التخلي عنها ضمنياً، لكنهم أطلقوا على هذا التخلي الجزئي أو الكلي (مراجعات)، بينما أنها (انتكاسات) صميمية، وفشل ذريع، سواء في المنطلقات النظرية التأسيسية أو في التطبيق على أرض الواقع؛ هذا الاضطراب الذي هو بمثابة السقوط، جعل كثيراً من كوادرهم يندفعون نحو التساهل والتسامح والتخلي عن (تكفير المجتمعات)، الذي كان من أهم مبادئهم السياسية؛ حتى أصبحوا في المشهد السياسي الآن أشبه ما يكونون بامرأة (محجبة) دخلت إلى (ديسكو) لتمارس الرقص، لتثبت للآخرين مدى تفتحها وتحضرها وبُعدها عن التعصب والتشنج. مشهد الإخوان في ما سموه (مراجعات) مشهد مضحك ومحزن في ذات الوقت، وينم وبوضوح أن النظرية شيء والقدرة على تطبيقها عملياً شيء آخر؛ فوصولهم إلى سدة الحكم في مصر، وهي عقر دار دعوتهم ومنطلقها الأول، ومن ثم فشلهم سياسياً في الداخل، ودبلوماسياً في الخارج، والأهم فشلهم اقتصادياً في التعامل مع كيفية حلول (المشاكل الاقتصادية) عرّاهم، وأظهر تخبطهم، وغياب المشروع العملي عن أطروحاتهم، ما جعل كثيرين ممن كانوا ينتظرون نتائج تطبيق نظرياتهم السياسية، يتأكدون أن حلولهم المتأسلمة كادت أن تؤدي بمصر إلى حروب أهلية لا تبقي ولا تذر، لولا تدخل الجيش في اللحظة الأخيرة وإنقاذ مصر من المأزق.
أكثر من تنبه مبكراً من المنتمين لجماعة الإخوان للمأزق التطبيقي على الأرض للنظرية الإخوانية كان (إخوان تونس) بقيادة الإخواني «راشد الغنوشي»، وكان جريئاً وحازماً و واقعياً عندما أعلن (فصل السياسة عن الدعوة)، وأنشأ حزباً سياسياً يدعو إلى إقامة دولة مدنية وليست دينية، واعتبر أن (الوطن التونسي) هو مدار ومحل قضيته، متخلياً ضمنياً عن القضية (الأممية) التي كانت جوهر دعوة الحركة الإخوانية منذ أن أنشأها «حسن البنا» في مدينة الإسماعيلية في مصر.
توجه حركة الإخوان إلى الدولة المدنية، وانتهاج المنهج العلماني، بفصل الدين عن السياسة، كما صرح الغنوشي، يعني أن الحركة ستتخلى ضمنياً عن أهم أدوات قوتها، فلم يعد الأمر متعلقاً بالحلال والحرام، ولا بالكفر والإيمان، أو يجوز أو لا يجوز، وإنما بمصلحة كيان الوطن القائم، ومقتضيات بقائه، تدور مع هذه الغايات، وتتبعها حيث دارت واتجهت.
أما في (الدولة الدينية)، التي كانت محور الدعوة الإخوانية، فالعبرة بالنص الديني وليس بالضرورة المنفعة الدنيوية، فيدور مع تلك النصوص حيث دارت واتجهت، حتى وإن تصادمت مع المصلحة، وأقرب مثال على ذلك مقتضيات السياحة، التي يتطلب تفعيلها متطلبات أساسية لا تتفق مع النصوص الدينية مطلقاً.
تحوُّل جماعة الإخوان من قدسية الدين إلى واقعية وموضوعية الدنيا سيفقدها بلا شك كثيراً من أدواتها السياسية التي استقطبت إليها أغلبية مؤيديها، فقضية الجنة والنار تحديداً، كانت سبباً جوهريا وقضية محورية لجذب المناصرين إليها، فإذا تخلت عنه، تخلت عن أهم مبررات وجودها.
إلى اللقاء..