عبدالله العجلان
احتفل الوطن - كل الوطن - قبل ساعات بتشريف ملك الحزم والعزم سلمان لنهائي كأس بطولته الغالية. بالنسبة لنا لا يهم إن فاز النصر أو الأهلي؛ فكلاهما حقق حلم الوصول للنهائي الكبير والسلام على والد الأمة وقائدها. ما يهمني ويهم الكثير من الرياضيين أن تعبّر مباراة البارحة بشكلها ومضامينها الفنية والسلوكية والتنظيمية عن الاحتفاء اللائق بحضور وتشريف خادم الحرمين الشريفين، وعن معنى وأهمية وقيمة كرة القدم والرياضة وإمكانية مشاركتها الحيوية في بناء وتنمية الإنسان السعودي، ليس فقط رياضيًّا وبدنيًّا بل فكريًّا وثقافيًّا واجتماعيًّا.
مساء أمس كان اختبارًا حقيقيًّا لمخرجات اتحاد الكرة والأندية والقطاع الرياضي بوجه عام، وخصوصًا بعد رياح الأزمات المتعددة والمتنوعة التي هبت في المواسم الأخيرة على كل ما له علاقة بكرة القدم السعودية، أندية ومنتخبات، ماليًّا وإداريًّا وفنيًّا وانضباطيًّا، وحتى إعلاميًّا، لدرجة أنها تحولت إلى مآس مخيفة وخطيرة ومؤثرة على عقلية ولغة وثقافة سائر مكوناتها والمتابعين والمهتمين بها؛ الأمر الذي تسبَّب في خلق بيئة محتقنة مزعجة طاردة حتى لعشاقها والمتعصبين لها.
في نهائيات ومناسبات تتويج كروية كثيرة خليجية ودولية رأينا كيف أظهرت براعة التنظيم، وكيف جسّدت حسن الإدارة في أجهزتها الرياضية، إلى جانب الإتقان والإبهار في التصوير والإخراج والنقل التلفزيوني. أرجو أن تكون الجهات المعنية بهذا الجانب قد نجحت في أداء مهامها، وقدمت للعالم الصورة المعبرة عن مكانة وسمعة المملكة. تهانينا لمن تقلد الذهب وفاز بالكأس الأغلى والبطولة الأفخم، سواء الأهلي الفريق المتفوق هذا الموسم في كل شيء، أو شقيقه النصر الذي يستحق رئيسه الفذ الأمير فيصل بن تركي أن يختتم مسيرته الإدارية الناجحة بمثل هذه البطولة التي غابت عنه أكثر من 25 عامًا..
نحتاج لقرار كهذا!
بسبب مشاركة المنتخب في التصفيات الآسيوية المؤهلة لكأس العالم 1982م في إسبانيا قرر الاتحاد السعودي لكرة القدم إقامة الدوري المشترك من خلال دمج فرق الدوري الممتاز مع فرق الدرجة الأولى، وتم توزيعها إلى مجموعتين، كل مجموعة تضم عشرة فرق، تلعب دوريًّا من دورين بلا صعود ولا هبوط. وقتها قام رئيس نادي الطائي آنذاك الأستاذ عبدالرحمن السياري - يرحمه الله - وهو بالمناسبة الاسم الأبرز والأميز في تاريخ الطائي؛ إذ استطاع بفكره وثقافته وأخلاقه وعطائه ووفائه وتضحياته وقوة انتمائه أن يصنع الطائي الجديد، وينقله إلى مصاف الكبار على مستوى المملكة، وبخاصة في صعوده الأول للأولى، ثم الممتاز في الموسم نفسه عام 1398هـ.. قام - يرحمه الله - فور إقرار الدوري المشترك باتخاذ قرار جريء؛ إذ طلب من المدرب البرازيلي (موديرس) غربلة الفريق الأول، والاستعانة بأكبر عدد من لاعبي درجة الشباب. وقد برر توجهه هذا بقوله إنها فرصة لهؤلاء اللاعبين الصاعدين للاحتكاك واكتساب الخبرة من لاعبي فرق الدوري الممتاز في المجموعة التي يوجد فيها الطائي، إضافة إلى أنه لن يكون هناك ضغوط على اللاعبين والمدرب؛ كون الدوري بلا صعود ولا هبوط. بعدها بثلاثة مواسم صعد الطائي للمرة الثانية للدوري الممتاز بقائمة معظمها من تلك التي مثلت الفريق في الدوري المشترك، مثل عبدالله الدعيع وخالد ووليد الصقري وزبن الصادر وخليل المصري وسعود الحسين وإبراهيم البكر، وغيرهم. ولم يتوقف طموح الطائي حينها عند هذا الحد بل نافس أيام رئيسه الذهبي راشد المطير - يرحمه الله - على المراكز المتقدمة، واستمر في الدوري الممتاز لتسعة مواسم متتالية، حقق فيها نتائج مبهرة، ما زالت راسخة في أذهان الكثيرين في الوسط الرياضي السعودي.
استرجعت هذا الموقف التاريخي؛ لأن نادي الطائي اليوم وكذلك الأندية الأخرى تحتاج في هذا الوقت المضطرب المتدهور فنيًّا واحترافيًّا، وقبل ذلك ماليًّا، لخطوة شجاعة كهذه، وتقوية بنائها، وتجديد دمائها بأسماء واعدة قادرة على المسير بأنديتها إلى أطول مدى، والارتقاء بها إلى أعلى القمم. أتمنى من جميع الأندية، والطائي تحديدًا بقيادة الخلوق والباذل اللواء متقاعد عبدالله العديلي، ألا يربكوا أنفسهم ويحرقوا أعصاب جماهيرهم كما في كل موسم؛ فلا يستعجلوا الصعود قبل إعادة بناء الفريق بعناصر شابة، بدأت وتشربت حب الطائي والانتماء له من الفئات السنية الغنية بالمواهب الجديرة بالدفاع عن ألوانه، وتحقيق آمال وطموحات جماهيره.