من المسائل المنبثقة من رؤية السعودية 2030 التي استحوذت على قدر كبير من الاهتمام من قبل الكتّاب في الداخل والخارج مسألتان؛ الأولى هي طرح بعض حصص الدولة في أرامكو للبيع في الأسواق المالية، والمصلحة من هذا الطرح أو انعدامها، خصوصاً أن أسعار النفط كما هي عليه الآن من الانخفاض. والثانية هي مشروع تعديل قانون الحصانة السيادية الأجنبية الأمريكي وأثره في حال تم هذا الطرح. والمجال لا يتسع لاستعراض كل ما أُبدي حول هذا الموضوع من آراء وتساؤلات في أبعاده المالية والاقتصادية والسياسية؛ ولذا ستقتصر هذه المقالة على بعض ما يتعلق بالشأن القانوني منه فقط.
فقد توقّف بعض الكتاب عند مشروع تعديل قانون الحصانة السيادية الأجنبية الأمريكي، وحذروا من خطورة هذا المشروع في حال إقراره، وما قد يترتب عليه مما له علاقة بطرح بعض حصص الدولة في أرامكو في أسواق المال، ونقل بقية حصصها لصندوق الاستثمارات العامة. والحقيقة أن دواعي الخطر من نقل ملكية الدولة لحصصها في أرامكو لصندوق الاستثمارات العامة غير مرتبطة بمشروع القانون المذكور، بل هي قائمة في كل الأحوال، إذا تم نقل الحصص للصندوق.
فقانون الحصانة السيادية الأجنبية الأمريكي يضفي الحصانة على الدول الأجنبية وأجهزتها وكبار مسؤوليها ومنشآتها، وفق التفصيل الوارد في القانون والأحكام القضائية المفسّرة له، فيحجب الاختصاص الموضوعي عن القضاء الفدرالي الأمريكي في مثل هذه الدعاوى ويمنعه من النظر فيها، إلا في حالات محددة مستثناة. ومشروع تعديل القانون - موضوع البحث - ما يزال في طور الإقرار، وقد يطرأ على نصه بعض التعديل، إنما حسب النص الحالي للمشروع فهو لا يغير في الأشخاص الأجنبية التي يسري عليها القانون، بل يعمد إلى توسيع أحد استثناءات القانون بما يسمح للقضاء الفدرالي الأمريكي بنظر الدعاوى المنبثقة من أحداث 11 سبتمبر، 2011 المقامة ضد المملكة العربية السعودية من قبل أسر ضحايا الأحداث المذكورة وبعض شركات التأمين.
وكما أشرت فيما تقدم، فمشروع التعديل المذكور لم يصدر بعد في هيئة قانون. فقد تم التصويت على المشروع بنجاح في مجلس الشيوخ، وهو بانتظار التصويت عليه في مجلس النواب. فإن صوّت النواب كذلك على المشروع بالإيجاب، يتم عرض المشروع المقر من المجلسين على رئيس الولايات المتحدة الأمريكية للتوقيع عليه بصيغته المقرة. وقد حذر المتحدث الرسمي للبيت الأبيض بأن الرئيس الأمريكي قد يستعمل حق النقض (الفيتو) فلا يوقع على المشروع بصيغته الحالية، نظراً لخروجه على مفاهيم الحصانة السيادية المستقرة، وما يمثله هذا الخروج من خطر على المصالح الأمريكية في حال أخذ الدول الأخرى بمثل هذه المفاهيم، وإقرارها لتشريعات مماثلة تضيق من نطاق الحصانة التي تسري في محاكمها لصالح الدول الأجنبية المدعى عليها، فتسمح بإقامة دعاوى ضد هذه الدول، بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية، في غياب مفاهيم الحصانة التي تسود الآن. هذا ما حذّر منه البيت الأبيض، فإن لم يستجب مجلس النواب، كما حصل في مجلس الشيوخ، وصدر المشروع من المجلسين، وأعمل الرئيس الفيتو، فإنه يلزم التصويت على المشروع مرة أخرى في المجلسين، ويلزم حصوله في هذه المرة، بعد إعمال الفيتو، على ثلثي الأصوات في المجلسين لتجاوز اعتراض الرئيس عليه. فإن حصل المشروع على أصوات ثلثي أعضاء المجلسين، أصبح المشروع قانوناً نافذاً واجب التطبيق، وإلا فشل المشروع.
ولكن الضرر الذي يترتب على تسجيل حصص الدولة في أرامكو باسم صندوق الاستثمارات العامة، ليس مرتبطاً بصدور المشروع بتعديل قانون الحصانة السيادية الأجنبية الأمريكي المذكور فيما تقدم. فالأثر القانوني من مثل الطرح المذكور مما له صلة بتمتع أرامكو بالحصانة التي يسمح بها القانون الأمريكي، أو عدم تمتعها بها، سيبقى قائماً في كل الأحوال، سواء نجح مشروع التعديل المذكور، أو فشل. فالمشروع - حسب ما نشر عنه - ينصرف لتوسيع أحد الاستثناءات من الحصانة بما يسمح بالنظر في الدعوى والحُكم فيها، ليس إلا. وهذه بلا شك مسألة من الخطورة بمكان على المملكة سواءً نقلت حصص أرامكو لصندوق الاستثمارات العامة أم لا. إنما نقل المملكة لملكيتها في أرامكو لاسم صندوق الاستثمارات العامة، حسب ما تردد عن هذا الموضوع، يعرّض مصالح المملكة للخطر في كل الأحوال، أي حتى في حال فشل مشروع التعديل المذكور. فالسوابق القضائية الأمريكية تشير إلى أن الحصانة التي يضفيها قانون الحصانة السيادية الأجنبية الأمريكي، بنصه القائم المعمول به الآن، تسري على الدولة الأجنبية وأجهزتها ومسؤوليها، حسب التفصيل الوارد في القانون، وعلى المنشآت، أو الشركات، التي تملكها الدولة الأجنبية، أو تملكها إحدى أجهزتها السياسية، ملكية مباشرة، وليس على الشركات التي تملكها ملكية غير مباشرة. وأرامكو الآن تملكها الدولة السعودية ملكية مباشرة، وهي لذلك تتمتع بالحصانة السيادية في المحاكم الفدرالية الأمريكية وفق القانون المذكور، وفي حدود الاستثناءات المذكورة فيه. فإن انتقلت ملكية الدولة لحصص أرامكو غير المباعة لصندوق الاستثمارات العامة، وكان الصندوق ذا شخصية اعتبارية مستقلة، فعندها قد ينتهي القضاء الأمريكي إلى أن ملكية الدولة لأرامكو هي ملكية غير مباشرة حتى لو كانت الدولة تملك الصندوق ملكية كاملة، وعندها قد تفقد أرامكو الحصانة السيادية التي حمتها لعقود طويلة من الدعاوى في المحاكم الأمريكية. وهذه نتيجة لا يحسن الاستهانة بها. فإن تمكن المدّعون في الولايات المتحدة الأمريكية من إقامة الدعاوى ضد أرامكو دون تمتعها بالحصانة التي وفرها لها في السابق القانون المذكور، هو أمر ليس من المصلحة بشيء، وسوف يعرّض أرامكو، وأصولها التي تملكها في الخارج لأحكام قضاء اشتهر بتوسّعه بتقدير الأضرار، والحكم فيها، وتنفيذها.
خلاصة القول، إن نقل حصص الدولة في أرامكو إلى صندوق الاستثمارات العامة له تبعات قانونية، وقد تكون له آثار سلبية كبيرة على أرامكو في إحدى أهم الأسواق العالمية، أيًّا كان مصير مشروع تعديل القانون سابق الذكر.
نعم، نحن بحاجة لخطة طموحة تتصدى لمواقع الخلل في اقتصادنا وللمتغيرات في أسواق النفط العالمية، وتنقل بلادنا إلى حيث نطمح إليه، لكن الأمر يستدعي مزيداً من النظر في خططنا المطروحة حتى تتحقق المصلحة المرجوة منها، وليس العكس.
** ** **
من الرؤية
- هدفي الأول أن تكون بلادنا نموذجاً ناجحاً ورائداً في العالم على الأصعدة كافة، وسأعمل معكم على تحقيق ذلك.
خادم الحرمين الشريفين - الملك سلمان بن عبد العزيز
* *
- دائماً ما تبدأ قصص النجاح برؤية، وأنجح الرؤى هي تلك التي تبنى على مكامن القوة.
محمد بن سلمان بن عبد العزيز - ولي ولي العهد - رئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية
- بقلم/ زياد بن عبدالرحمن السديري