عن الصبر أتحدث.. ما أجمله، وما أروعه وما أعظم جزاء الصابرين: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} «الزمر10»ولن نخوض كثيراً في بيان فضائل الصبر ومنزلته فهي مما لا يخفى على عاقل إنما نتساءل هنا: هل مازال الصبر فضيلة سامية تحتفظ بهذا المعنى الجميل أم تمّ سلب معناه إلى معنى مشوه أُدخل فيه ما ليس منه مما لا يتناسب مع عدل الله تعالى؟
جاءت إليّ حانقة باكية تشتكي زوجها وتفريطه الكبير في أبسط حقوقها الزوجية؛ بل والإنسانية، وبعد أن أرعدت وأزبدت وهي تصف مشاكلها؛ وقبل أن أنبس ببنت شفة محاولة تقديم التوجيه المناسب لها باغتتني وبلهجة تحمل قوة وتهديداً مبطناً: ما رأيك، ولا تقولي لي «اصبري»، بصراحة كان لها الحق في عدم قبولها بنصيحة مكررة، فما الذي أوصلها لهذه الحال؟ لماذا تكره الصبر وهو جميل وفضيلة؟
الجواب: أنه قُدِّم لها بصورة مشوهة مُغرقة في المثالية ومرادفة في المعنى لقولنا: لا تطلبي أي شيء، ولا تتوقعي الحصول على حقوقك الزوجية إن لم يمنّ الله على قلب هذا الزوج ويكتب له الهداية ليعطيك إياها برغبته فقط،كيف بمرشد تقول له: إن زوجي لا ينفق علي أو يضربني أو يشتمني بأقذع الألفاظ فيكون الرد: اصبري.
هناك أمور يُستساغ فيها الصبر ويكون فيها مطلوباً لكنها بالطبع ليست كل أنواع المشكلات فالضرب، وعدم النفقة، وعدم إيفاء حق التحصين والعفاف الذي هو من الأهداف التي قام عليها الزواج يكون قرار الصبر فيها «فقط» تدميراً لفضيلة الصبر وتشويها لمعناه السامي في نفس الطرف المتضرر.
هل صبر الزوجة على ضياع حقوقها الأساسية هو الحل الأمثل؟؟ مثلا: لو أن زوجة لا تنجب وبعد الصبر وبذل العلاج اتضح لزوجها أنها عقيم وحسب كلام الطبّ أنها لن تتمكن من ذلك، كم سيصبر الزوج ؟ هل ستخبره أمه أو أخواته بالصبر عليها أم أن كل من حوله سينظم خطباً عصماء في حقه الطبيعي في الإنجاب والأطفال حتى يحصل على ما يريد من امرأة أخرى سواء أبقى على الأولى أم استغنى عنها، وهذا حق له طبعاً؛ لكن لنعكس المثال: فلو أن العقيم هو الزوج كيف ستكون الصورة في الأعم الأغلب ستكون الخطب العصماء من المجتمع هكذا: اصبري عليه، يكفي غير مقصّر معك في شيء، والإنجاب بيد الله تعالى ولو صبرتِ واحتسبتِ فلك الأجر، وتنتظر المسكينة سنين طويلة وهي تتقطع شوقاً لضمة طفل؛ لكنها تظن أنها فعلت ما يمليه عليها الصبر وأن الزوجة الصالحة فقط هي من تفعل ذلك والعجيب أن توجد حالات يترافق فيها صبر الزوجة على عقم الزوج مع سوء أخلاقه ومعاملته لها !!هل اتضحت صورة الصبر المشوهة هنا؟؟
وفي صور أخرى لكي تُظهر الزوجة مزيداً من الصبرتستمر في هدر حقوقها، وتتفنن في الاستعاضة عنها فتأخذ نفقتهامن أبيها، ويشتري لها أخوها متطلبات طفلها من زوجها الذي لا ينفق، وتُخفي آثار ضربها بخافي العيوب من زينتها حتى لا يعلم من حولها ما يحدث، وتسهر الليالي تصارع رغبتها الطبيعية كزوجة وهو يمنع عنها حقها بمزاجه لمعاقبتهاعلى أقل خطأ يصدر منها جاعلا منه حجةً للهجر والضرب متناسياً خطوة الوعظ تاركاً لقوله تعالى: {فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً}.
هذه بعض نماذج الصبر المشوّه تجاوزبعضها السنين الطويلة، الصبر فضيلة مطلوبة لكن أن تُضرب وتُهان، وتُطرد من بيتها للشارع في ظلام الليل بانتهاكات مستمرة، فهذا لا يُعالج فقط بالصبر، إنما لابد من حلّ جذري يترافق معه يساعد الطرف المتضرر على مواصلة الصبر العقلاني وليس الصبر المفتوح الذي لا حلّ معه ولا كرامة، فلا تظلموا الصبر لتجعلوه غطاءً لهدر الحقوق، والتسلّط على الضعفاء لقد شوهتم وجه الصبر بمساحيقكم السوداء.