اعتنى الدين الإسلامي بجانب القيم عناية بالغة، وعدها من الركائز الإساسية التي يبنى عليها الدين الصحيح، فقال سبحانه: {قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا}، وقال عز وجل: {وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} ، وأكد ذلك رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم حين قال: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق».
واهتم التربويون بالقيم والفضائل وأكدوا على أهمية العناية بها في التربية والتعليم، وفي المناهج التربوية على وجه التحديد. فإذا عرفنا أن المنهج بمفهومه الحديث يعني: مجموعة الخبرات المتنوعة التي تقدمها المؤسسة التربوية لطلابها بقصد مساعدتهم على النمو الشامل في جميع النواحي، وتعديل سلوكهم طبقاً لأهدافها، فإنه لا يمكن لعاقل أن يتجاهل دور المناهج التربوية في تعزيز القيم الصالحة، ومحاربة كل ما يفسدها. ولذلك اهتمت الأمم المتقدمة بهذا الجانب، وجعلته هدفاً استراتيجياً من أهدافها.
ولعل من المناسب أن تحدد مفهوم القيم قبل مناقشة علاقتها بالمناهج التربوية، حيث أشارت كتب اللغة ومعاجمها إلى عدد من المعاني للقيم نظراً لاختلاف المجال الذي تستخدم فيه. والذي يهمنا في هذا السياق أن نعرف مفهوم القيم التربوية، حيث أشارت المصادر والمراجع إلى أن القيم في اللغة مأخوذة من الاستقامة والاعتدال، وتعرف اصطلاحاً بأنها: الفضائل الدينية والأخلاقية والاجتماعية التي تقوم عليها حياة المجتمع، كما عرفت بأنها المحكات والموجهات السلوكية والمبادئ الاجتماعية التي يؤمن بها المجتمع ويحرص عليها.
والمتأمل في واقعنا الذي نعيشه في السنوات الأخيرة يجد اختلالاً واضحاً واضطراباً ملحوظاً في بعض القيم لدى فئات من أبناء المجتمع، ومن أمثلة ذلك:
مخالفة الأنظمة والتعليمات... عدم احترام الكبير... الاستهتار بالمعلم... الكذب... الإسراف والتبذير... إتلاف الممتلكات العامة... العبث بأماكن التنزه... السعي وراء الشهرة على حساب الأخلاق... وغيرها من الأمثلة التي لا تكاد تخفى عن أصغر متابع.
ويرجع كثير من المهتمين هذا الخلل والاضطراب إلى بعض العوامل الدخيلة التي أثرت على المجتمع، ومن أهمها الثورة التقنية والاتصالية التي أدت إلى انفتاح المجتمعات على بعضها، مما أدى إلى ظهور قيم لا تتناسب مع مجتمعاتنا، وأدى كذلك إلى غياب قيم أخرى كانت راسخة وثابتة.
وهنا، تتجه الأنظار - أول ما تتجه - إلى دور التربية والتعليم في هذه القضية، ويتركز البحث على وجه التحديد في دور المناهج التربوية ومدى اهتمامها بالقيم والفضائل، ودرجة عنايتها بها.
وإن المتأمل المنصف في مناهجنا التربوية بمختلف تخصصاتها ومقرراتها يجد أنها لا تكاد تخلو من القيم الدينية والوطنية والأخلاقية، ويجد أنها مضمنة في كثير من المقررات الدراسية بقدر لا بأس به.
فأين تكمن المشكلة إذن؟!!
يرى عدد من المعايشين للمناهج التربوية والعاملين في الميدان التعليمي التربوي أن المشكلة تبدو في طريقة التعاطي مع القيم التربوية في تلك المناهج، حيث تركز في غالبها على الجانب النظري والتقليدي المبني على نصوص إنشائية وعظية يلقنها المعلم لطلابه، ويرددونها بطريقة جوفاء لا تعكس اكتسابهم لها، ولا تحقق تعزيزها في نفوسهم. كما أن الأساليب التي تطرح بها القيم في محتوى المناهج أساليب قديمة تفتقر إلى دعمها بالصور الجاذبة، والإحصائيات والأرقام الحديثة، وضعف ارتباطها بواقع المتعلمين وحياتهم اليومية، بالإضافة غياب الجانب العملي التطبيقي لتلك القيم من خلال الأنشطة المتنوعة داخل الصف وخارجه بطريقة يفترض أن تؤدي إلى إشباع حاجات المتعلمين المعرفية والمهارية والوجدانية. ويضاف إلى ذلك افتقار بعض المعلمين إلى المهارات والكفايات والأساليب المناسبة لتدريس القيم، مما يجعل كثيراً منهم يتجاهل القيم المزروعة في المناهج، أو يتكاسل عن تدريسها.
وبناء على ذلك، فإن الأمر يستدعي من القائمين على التربية عموماً، والمتخصصين في المناهج تحديداً ضرورة المسارعة إلى دراسة هذه القضية وبحث أسباب اختلال بعض القيم واضطرابها في المجتمع، ومناقشة السبل المناسبة لعلاج تلك المشكلة، وذلك عن طريق عقد المؤتمرات والندوات، وإجراء البحوث والدراسات العلمية للخروج بتوصيات تساعد القائمين على المناهج في تطويرها بما يحقق تعزيز القيم والفضائل في نفوس المتعلمين وتلافي كل العوائق التي تقف في طريق الأهداف المأمولة.
وختاماً، نتذكر قول أمير الشعراء أحمد شوقي:
وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
- مشرف تربوي في تعليم حوطة بني تميم والحريق