إعداد - وحدة الأبحاث والتقارير الاقتصادية بـ«الجزيرة»:
تعد فكرة مركز الملك عبد الله المالي، إحدى ثمار الطفرة الاقتصادية للمملكة خلال السنوات العشر الأخيرة، والتي بدأت عام 2008م وانتعش معها القطاع المالي والخدمي وخاصة في ظل الارتفاع الكبير في الأسعار العالمية للنفط.. حيث قام خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز- رحمه الله- في يوم الثلاثاء 11-4-1427هـ بالإعلان عن إنشاء مركز مالي في مدينة الرياض ليضم المؤسسات المالية الرسمية والجهات المالية الأخرى وجميع المرافق والخدمات ذات العلاقة ويحمل اسم (مركز الملك عبد الله المالي).
وقد لعب الارتفاع الكبير في أسعار النفط دوراً كبيراً في بناء هذا الصرح على أعلى المواصفات، ليكون إضافة اقتصادية وعمرانية جديدة ورئيسة لمدينة الرياض.. كما يعتبر هذا المشروع، من أهم مشاريع المؤسسة العامة للتقاعد، والتي أوكل لها ملكيته والإشراف على إنشائه عبر ذراعها الاستثمارية المتمثلة بشركة الاستثمارات الرائدة.
المشروع الأضخم بالشرق الأوسط
يكفي أن نعرف أن مركز الملك عبد الله المالي يضم حوالي 61500 موقف وهو عدد يعادل 20 ضعفاً عدد السيارات المتاحة ببرج المملكة بالرياض.. فالمركز المالي تم بناؤه على مساحة 1.6 مليون متر مربع.. تم عليها بناء حوالي 2.9 مليون متر مربع.. تتوزع هذه المبانى على 1.7 مليون متر مربع مساحات مكتبية (بنسبة 54 %)، ونحو 626 ألف متر مربع للاستعمال السكني بنسبة تعادل 20.3 %، مقابل نسبة 10.1 % للاستعمال التجاري.
تخمة العرض المكتبي المتوقع
في فترة انشاء المركز منذ 10 سنوات، كان المعروض من المكاتب أقل من المطلوب تقريبًا، وكانت الرياض حديثة التحرك في اتجاه المكاتب الفخمة.. لذلك، فقد تم تخطيط مركز الملك عبد الله لكي يكون المصدر الرئيسي لعرض المكاتب.. لذلك، فإنه تم تخطيط 1.7 مليون متر مربع كمكاتب راقية لمؤسسات مالية وإدارية واقتصادية.. إلا أن مدينة الرياض شهدت خلال السنوات الخمس الأخيرة معروضاً كثيفاً من المساحات المكتبية وخاصة داخل الأبراج المتعددة والجديدة التي تم إنشاؤها خلال وقت قياسي بالرياض.. حتى أن المعروض أصبح يناهز أو ربما يفوق حجم الطلب.
الأمر المثير الآن، أن المركز المالي تم إنشاؤه خلال فترة زمنية كانت تتصف بارتفاع الإقبال وانخفاض أسعار الانشاءات.. أما الآن فقد اختلف الوضع كثيراً لكي ترتفع أسعار الانشاءات ويزداد حجم المعروض من المساحات المكتبية، لكي يضغط على مستويات أسعار البيع وأيضا أسعار التأجير المكتبية.. حالياً يمكن وصف السوق بوجود فائض في العرض يتسبب في تخمة تقود إلى تراجع الأسعار للبيع والتأجير.
ترتكز خطة مركز الملك عبد الله على تخصيص 1.7 مليون متر2 للمساحات المكتبية، والتي لو افترضنا مساحة نموذجية لمكتب راقٍ في حدود 100 متر2، فإن المركز يوشك أن يضخ بالسوق حوالي 16500 مكتب جديد يضاف إلى المعروض الحالي.
لذلك، فإن طرح هذه الكميات الضخمة من المكاتب بمركز الملك عبد الله المالي قد يؤدي إلى مزيد من الضغوط على العرض السوقي المكتبي، وبالتالي فلن يكون في مقدور المركز تأجير أو بيع ما لديه من مكاتب بالأسعار التي تعوض الارتفاع الكبير في قيمة وتكاليف إنشائه.
وينبغي معرفة أنه بافتراض سعر 800 ريال للتأجير المكتبي السنوي، فإن الـ 100 متر2 من المتوقع أن يتم تأجيرها بقيمة 80 ألف ريال، إلا إن طرح هذا الكم الهائل مرة واحدة سيكون أكبر من القدرة الاستيعابية لمدينة الرياض، بشكل يتوقع أن يضغط على السعر السوقي للتأجير لينخفض إلى مستويات تقل عن 600 ريال.
تعثر المشروع
طول فترة الإنشاء، تعتبر أحد أسباب التعثر الذي يواجه المشروع حالياً حيث حدثت مستجدات كبيرة بالسوق المحلي، فمستويات الأسعار اختلفت جوهرياً خلال السنوات العشر الأخيرة، لدرجة أننا نسجل ارتفاعاً يزيد عن 50 % خلال هذه الفترة.. وبالتالي، فإن كافة المخططات المالية الخاصة بالمشروع قد تغيرت تماماً، بدءاً من تكلفة العمالة والخامات.. فضلاً عن القواعد الحكومية في التعامل مع شركات المقاولات.. لذلك، فإن أي مناقصات أو عمليات ارتبطت بتعاملات رسمية سواء مع الدولة أو مع شركات المقاولات قد اختلفت ظروفها تماماً.. لذلك، فإن المشروع بدأ خلال السنوات الثلاث الأخيرة يواجه تعثراً وصل في بعض الحالات إلى التوقف التام.
الآن لدينا مشروع أنفق فيه ما يناهز الـ 30 مليار ريال ولا يزال يحتاج لعشرة مليارات أخرى، وتم اكتشاف أنه لن يمكن تسويقه بقيم تغطي نفقاته في ضوء مخططاته القديمة.
الخطة القديمة يستحيل تنفيذها
التغيرات الكبيرة في الاقتصاد الوطني، وفي اقتصاد الرياض يستحيل معها تنفيذ المخطط القديم للمركز.. فلا هو يستطيع إكمال الإنشاءات ولا هو قادر على بيع أو تأجير هذه المساحات بإيرادات تغطي نفقات إنشائها.. لذلك، فإن المؤسسة العامة للتقاعد لا يمكن أن تستكمل المشروع.. من هنا جاءت رؤية 2030 لكي تصمم خارطة طريق جديدة لإنقاذ المركز وإخراجه للنور.. وسحبت المركز في طريق مختلف بعيداً عن طرح هذا العرض الكثيف من المكاتب الذي يمكن أن يؤدي إلى انهيار سوق العقارات المكتبية بالرياض.. حيث طرحت رؤية 2030 خطتها لتحويل المركز إلى منطقة حرة خاصة تحكمها قواعد مختلفة عن القواعد المحلية المعزول بها.
إطلاق أكبر منطقة مالية وخدمية حرة بالمملكة
تتمثل الخطة، في جعل هذا المركز جزءاً من مطار الرياض، من يدخلها ينتقل إليها بالقطار بتصاريح خاصة وليس شرطاً أن يكون من زوار المملكة الرسميين.. وقد طرحت رؤية 2030 أن يتم نقل ملكية المشروع من المؤسسة العامة للتقاعد لصندوق الاستثمارات العامة لكي يدير من خلاله استثماراته المالية ويطلق بؤرة مالية واقتصادية مركزية للاقتصاد السعودي.
وتتطلع رؤية 2030 إلى أن يصبح المركز المالي منطقة خاصة تنظمها لوائح تنافسية بالمعايير الدولية ونظام أيسر للحصول على تأشيرات الدخول واتصال مباشر بالمطار.. وفي اعتقاد وحدة الأبحاث والتقارير الاقتصادية بـ»الجزيرة» أن هذا المركز سيلجأ إلى إعادة توزيع مساحاته لكي ترفع المساحات المخصصة للاستعمال السكني والتجاري والسياحي مقابل تقليص الاستعمال الإداري والمكتبي.. لكي يضم المركز كومباوند سكنيًا مغلقًا في قلب الرياض ربما يفوق كومباوند الظهران الذي يتسع لنحو 11 ألف نسمة.. وتعتقد وحدة «الجزيرة» أن هذه الرؤية كفيلة بإيجاد الحوافز والمغريات للسعوديين والأجانب (أسراً ومستثمرين) للإقبال على الاستثمار والسكن في هذا المركز متجهين إلى الاستفادة من حرية الدخول والخروج من - إلى المملكة من - إلى منطقة المركز.