نواصل ترجمتنا لتحليل اجتماعي-سياسي نوعي بقلم البروفيسورة دانييلا بيوبي. والبروفيسورة دانييلا بيوبي هي زميل أول مشارك في معهد الشؤون الدولية في روما، وزميل باحث مؤقت في جامعة روما «لا سابينزا». ونشرت الورقة في ديسمبر 2013.
وبعد الانقلاب، قام الجيش وقوى الأمن الداخلي وأعضاء الهيئة القضائية بحملة قمع شاملة وعنيفة للغاية ضد جماعة الإخوان المسلمين، في محاولة على ما يبدو لسحقها نهائيا؛ فتعرّض العشرات من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين ونشطاء إسلامويون آخرون للاعتقال (بما في ذلك الرئيس المعزول مرسي والمرشد محمد بديع) (60)، وأُغلقت القنوات التلفزيونية الإسلاموية، ودُشنت حملة إعلامية مكثفة بقناع وطني لمناهضة جماعة الإخوان عبر كافة وسائل الإعلام. وفي هذا السياق، فإن أخطر حادث هو أنه جرت، وبشكل غير متوقع، عملية سحق متوحشة ضد نشطاء الإخوان المحتجين على الإطاحة بمرسي مرارا وتكرارا في يوليو من دون ردود فعل، سواء من الداخل أم الخارج. (61) وهكذا، استمرت الأحداث حتى قيام الجيش في 14 أغسطس والأيام الموالية بفض دمويّ لاعتصامات أنصار الإخوان في القاهرة؛ وهو ما أسفر عن مقتل مئات من الناس في ما يمكن اعتباره، ربما، أسوأ مذبحة جماعية في تاريخ مصر الحديث. وفي الوقت نفسه، تزايدت هجمات شنّها متشددون على قوات الأمن في سيناء. كما زادت الهجمات الطائفية ضد المسيحيين، خاصة في صعيد مصر، بالرغم من أن قيادة الإخوان دعت، مرارا وتكرارا، إلى الحفاظ على طابع سلمي للاحتجاجات.
وكان رد فعل كل من الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي على الأحداث خجولا، وبمثابة إعطاء الضوء الأخضر للإطاحة برئيس منتخب والتصفية الجسدية لخصم سياسي. (62) أكثر من ذلك، قدّمت (...)، في أوائل شهر يوليو، مساعدات وقروضا لمصر بقيمة 12 مليار دولار؛ وهو ما أدى إلى تمكن مصر من الوفاء بالتزاماتها. وأعلنت (...) أيضا أنها، مع حلفائها، ستعوض مصر عن أيّ انخفاض في المساعدات الغربية؛ وهو ما يعني إبطال فعالية ضغوط الغرب على القاهرة لاستعادة الديمقراطية، على الأقل في المدى القصير.
في الوقت الحاضر، يبدو أن النظام العسكري المصري هو المنتصر؛ وهو ما يدل على أنه قادر تماما على إعادة تأسيس الهيكل الاستبدادي للدولة. لقد استطاعت القوات المسلحة، بمساعدة قوى الأمن الداخلي، أن تتخلص من القوة السياسية الوحيدة المنظمة والتي كان يمكن أن تقدر على إصلاح الدولة بجدية. وبعكس الانتخابات الرئاسية لعام 2012، ساندت، هذه المرة، أجزاء واسعة من النخب السياسية والاقتصادية في مصر »الشرير الذي يعرفونه«؛ بدلا من محاولة التوصل إلى اتفاق من نوع ما مع جماعة الإخوان المسلمين. كما رحب زعماء المعارضة الرئيسون، بحرارة، بالإجراءات التي ربما كانت غير قانونية وبتحالف الأمر الواقع مع فلول نظام مبارك والقوات المسلحة للتغلب على فشلهم الانتخابي مقابل جماعة الإخوان المسلمين؛ وهو الأمر الذي لم يكن يتخيّله أحد فور خلع مبارك. ولكن الجهاز السياسي للنظام لم تتم إعادة تشكيله تماما، والتحالف السياسي الداعم للقوات المسلحة يتكون من عدد كبير ومتنوع جدا من اللاعبين (من حزب النور السلفي إلى العديد من العناصر الليبرالية واليسارية من جبهة الإنقاذ الوطني) ليكون قادرا على أن يستمر لفترة طويلة، على الأقل في شكله الحالي.
النتيجة
إن فهم التطور السياسي المضطرب للإخوان في الصورة الأوسع من التطور البنيوي لنظام السلطة المصري الاستبدادي يسهّل عملية القيام بتفسير أولي عن الدور والسلوك السياسي للإخوان المسلمين.
اكتشفت جماعة الإخوان، بعد سقوط مبارك والحزب الوطني الديمقراطي، أنها القوة السياسية الوحيدة المنظمة في البلاد. وإدراكا منها لقوتها وتمشيا مع تقاليدها المعتدلة، قررت جماعة الإخوان المسلمين أن تعمل كقوة لفرض الاستقرار، وأن تتخلى عن الشارع، وأن تضفي الشرعية الديمقراطية على العملية السياسية التي صممها المجلس العسكري. وسواء فعلت ذلك لأنها اعتقدت بضرورة استيعاب النخب السابقة بمنهج تدريجي، أم لمجرد التعطش للسلطة، أم لأيّ سبب لا يغير من النتيجة النهائية، حيث احترقت الجماعة/حزب الحرية والعدالة سياسيا ثم قُمعت بوحشية بعدما استنفدت دورها في حفظ الاستقرار؛ وهو أمر لا يختلف كثيرا عما حدث لها في فترة 1952-1954 »الانتقالية«. وخلال حكمها الذي استمر لعام واحد، لم تكن أولوية الجماعة/حزب الحرية والعدالة تنفيذ برنامج سياسي أو اقتصادي أو إعطاء البلاد بصمة سياسية (أو ثقافية/أيديولوجية) جديدة (وكلاهما يمكن تحقيقه في مرحلة لاحقة)؛ ولكن لتعزيز موقعها مقابل مؤسسات الدولة والقوى الاجتماعية. وخلال معركتهم للسيطرة على الدولة، ثبت، بسرعة، أن الإسلامويين لا يتوفرون على الكفاءات والمؤهلات الكافية والضرورية لممارسة الحكم، ويمارسون الغطرسة والاستبداد. وبناء عليه، ألقي اللوم الكامل عليهم نتيجة تدهور الأحوال المعيشية، وفقدوا الإجماع الشعبي خارج دائرتهم الداخلية.
وكانت الأخطاء الرئيسة للإخوان وفق الآتي:
أولا، تجاهل ورفض عدة فرص لتزعم الثورة وقيادة الجماهير الثائرة؛ و
ثانيا، استعمال إستراتيجية تدريجية ومحافظة (غير ثورية) للتغيير، والسعي إلى تسويات مع بعض فلول النظام السابق، بالرغم من أن الثورة والطموحات كانت تتطلب إستراتيجية أكثر جرأة بكثير. ولا ينبغي أن يكون ذلك مفاجئا؛ لأن جماعة الإخوان المسلمين اشتهرت، تقليديا، بأنها حركة معتدلة ومحافظة. ولكن أدى اعتدالها أو على الأقل سهل، هذه المرة، عزلتها وهزيمتها في النهاية.
** ** **
هوامش المؤلفة:
(1) دروز-فنسنت، «قطاع الأمن في مصر»، ص ص 220-6؛ وانظر: قنديل، جنود وجواسيس وسياسيون، ص ص 194-8؛ وانظر ستاشر، سلطويون متكيفون، ص ص 5-12.
(2) وكمثال فقط، كان عدد العاملين في أجهزة الأمن الداخلي (أو الأجهزة المرتبطة بها)، في نهاية العشرية الأولى، يزيد عن نظرائهم العسكريين بنسبة 4 إلى 1؛ مع وجود ما يقرب من مليوني شخص في الأمن. انظر: قنديل، جنود وجواسيس وسياسيون، ص 194.
(3) المرجع نفسه؛ وانظر: كينيل، الوهم الكبير.
(4) قنديل، جنود وجواسيس وسياسيون، ص، 208-16؛ وانظر: العمراني، «الحزب الوطني الديمقراطي: ساحة المعركة».
(5) السوبر أثرياء مثل أحمد عز (حديد)، محمد منصور (نقل)، زهير جرانة (السياحة) والاقتصاديون المرتبطون مع المؤسسات المالية الدولية، مثل وزير الاستثمار محمود محيي الدين أووزير المالية يوسف بطرس غالي.
(6) سليمان خريف الدكتاتورية؛ باسيللو، «مصر:العقد الأخير»؛ قنديل: لماذا زحفت الطبقة الوسطى المصرية إلى ميدان التحرير؟.
(7) مارشال-ستاشر، جنرالات مصر ورأس المال الدولي.
(8) ستاشر، سلطويون متكيفون، ص 6.
(9) منى الغباشي، مصر تتوجه نحو سنة مشؤومة، ميدل إيست ريبورت أونلاين، 2 فبراير 2005، http://www.merip.org/mero/mero020205
(10) بينين، النضال من أجل حقوق العمال في مصر؛ وحركة اجتماعية عمالية.
(11) عصام العريان: الآثار الجانبية للحملة البوليسية ضد الإخوان (باللغة العربية)،
http://ikhwanwayonline.wordpress.com، 28 أكتوبر 2009،
(12) بيوبي، من يخاف من الإسلامويين؟، ص ص 56-60.
(13) كان التيار المحافظ داخل جماعة الإخوان قد سيطر، بالفعل، على الجماعة في عام 2007 عندما سرّب مكتب الإرشاد مسودة برنامج حزب الإخوان السياسي إلى الصحافة؛ ليشير إلى نكسة فكرية وتراجع عن مواقف أكثر ليبرالية في وثائق سابقة للجماعة حول قضايا مثل المرأة وحقوق الأقليات. (14) حول التفكك السريع للحزب الوطني خلال انتفاضة عام 2011، انظر ستاشر، سلطويون متكيفون، ص ص 8-9. وحول دور الهزيمة المؤقتة لقوات الأمن، انظر قنديل، جنود وجواسيس وسياسيون، ص ص 222-8.
(15) وبناء على أوامر المحكمة، حل المجلس العسكري البرلمان والمجالس المحلية والحزب الوطني الديمقراطي. كما أحال، أيضا، بعض قادة النظام السابق إلى المحاكمة؛ ولكن بتهم مالية وجنائية، وليست سياسية.
(16) وبحلول يونيو-يوليو 2011، بدأت قوات الأمن المركزي باستخدام العنف، مرة أخرى؛ ولكن جرى ذلك، غالبا، بالتنسيق مع الشرطة العسكرية. ونتجمت عن الصدامات بين المتظاهرين والأمن، خلال شهري نوفمبر وديسمبر 2011، حوالي 100 إصابة.
(17) لقد كانت جماعة الإخوان، تاريخيا، ضد التغيير الراديكالي. ونتيجة لهذا الموقف، فقدت جزءا من أنصارها غير الراضين عن النهج التصالحي للحركة تجاه النظام. وجرى ذلك، على سبيل المثال، في السبعينيات والثمانينيات، انظر: العوضي، بحثا عن شرعية.
(18) ترك مئات أو ربما آلاف الأعضاء الجماعة، بعد الثورة أو في الأشهر التالية. وانضم العديد منهم إلى الحركات الشبابية، وأسس آخرون أحزابهم السياسية (مثل عبد المنعم أبو الفتوح، وإبراهيم الزعفراني)، وانضم البعض إلى أحزاب قائمة مثل حزب الوسط. المصدر: مقابلات المؤلفة مع أعضاء سابقين، القاهرة، مارس 2013. وانظر أيضا أشرف الشريف، الإسلامويون الجدد في مصر: تشجيع الإصلاح من داخل الحركات.
يتبع
- ترجمة وتعليق/ حمد العيسى
hamad.aleisa@gmail.com