د. فوزية البكر
حقيبة التعليم هي الأثقل بين كل الحقائب الوزارية وتحديدا في بلاد شابة وشاسعة مثل المملكة ولذا فما قام به معالي وزير التعليم د. العيسي ومنذ تكليفة وحتى الآن يعد إنجاز كبيرا بكل المقاييس إذ بدء في تغيير ثقافة التعليم ليصبح المتعلم مسئولا عن نفسه وعن نتائجه ورأينا المناخ العام المدرسي وقد بدء في التغيير فالطلاب الآن مسئولون عن تعليمهم و المدارس حكومية وأهلية مسئولة أمام الوزارة ثم المجتمع في ضبط معايير التعلم.. هناك شيء ما يجري في كل هذه المدارس التي أصبحت خلايا نحل سواء تعلق الأمر بتدريب معلميها أو تشديد ضوابط التدريس والتقويم فيها وهو ما كنا نطالب به دائما فشكرا لك يا ويزر التعليم.
المفاجأة الأجمل هو هذه التعديلات الجوهرية في نظام التعليم الثانوي ليتحول من النظام السنوي إلى الفصلي بستة مستويات مع ضم بعض المواد في مقرر واحد مثل المواد الدينية في مقرر واحد تحت مسمي العلوم الشرعية ما عدا حصص القران الكريم أو تبديل مسميات بعضها مثل الرياضة إلى التربية الصحية والبدنية أو توسيع بعضها مثل التربية الوطنية إلى الدراسات الاجتماعية والوطنية كذلك تعديل النهايات الصغرى للمواد لتكون 50 درجة لكل المواد وليس فقط للمواد الدينية والعربية كما كان سابقا بحيث يلزم الطالب للنجاح الحصول على الحد الأدنى في المادة وهي النهاية الصغرى (50) درجة لكن أيضا بشرط حصول الطالب أو الطالبة على 20 % من درجة الاختبار النهائي للمادة.
مثل هذه القواعد الضابطة للنجاح من مستوي إلى آخر في المرحلة الثانوية هي غاية في الأهمية لتحسين مستويات التحصيل لدي الطلاب خاصة بعد حالة الفوضى الهائلة التي قصمت ظهر تعليمنا خلال العشرين سنة الأخيرة بفعل نظام التجاوز عن الرسوب في المواد العلمية والرياضية وعدم اشتراط درجة صغرى لعبورها وهو ما ناقشته كثيرا في مقالات عديدة سابقة.
الغريب أن التعديل المرتقب عاد ليؤكد علي نظام المسارات الثلاثة في التعليم الثانوي بمعنى أننا قديما كنا بين نظامين: سنة عامة أولى يدرس فيها الطالب كل المواد ثم يتفرع إلى أدبي أو علمي في السنتين الأخيرتين من المرحلة الثانوية وفي السنوات الأخيرة تم تنويع المسارات لدى الطلاب الذكور فقط لتكون ثلاثة: مسار علوم طبيعية ، مسار علوم شرعية ، مسار علوم إدارية.
ما أعلنته وزارة التعليم يوم الثلاثاء الموافق 17 مايو 2016 هو إعادة العمل بنظام المسارات والبدء في تطبيقه التدريجي على البنين والبنات بحيث تكون هناك ثلاث مسارات: علوم طبيعية، علوم شرعية وعلوم إدارية وهو ما أرى كتربوية أنه خطأ كبير سندفع ثمنه ولكن بعد سنوات حينما تبدأ الأجيال التي درست تحت هذه المسارات بدفع ثمن خيارات لم تكن نتائجها المستقبلية واضحة لهم إلا بعد إنهاء المرحلة الثانوية .كيف؟
كل التجارب العالمية تؤكد على أهمية أربع مواد أساسية لكل الدراسين بغض النظر عن ميولهم واهتماماتهم وهي: العلوم والرياضيات واللغة الوطنية (وهي هنا اللغة العربية) ثم اللغة الإنجليزية. بمعنى أن كل طالب في المرحلة الثانوية يجب أن يكون لديه مستوى معين من المعرفة العلمية والرياضية واللغوية وهي المهارات التي ستتطلبها أية دراسة جامعية سيلتحق بها الطالب لاحقا كما أنها المهارات التي سيحتاجها أي دارس في كلية تقنية أو فنية (نطام المعاهد أو السنتين بعد الثانوية) أو حتى لو اضطر إلى دخول سوق العمل في هذه السن المبكرة.
من سيلتحق بمسار العلوم الطبيعية فلا خوف عليه إذ سيجد أن كافة التخصصات الجامعية سواء في الكليات العلمية والطبية أو الأدبية أو الشرعية تفتح له ذراعيها فهو سيتمكن من الالتحاق بكلية الطب أو الهندسة أو الحقوق أو العلوم الاجتماعية لكن من اختار مسار العلوم الشرعية فسيحرم من فرصة الالتحاق بكل الكليات العلمية والطبية لأنه لم يتحصل علي التأهيل العلمي المطلوب في مواد مثل الفيزياء والكيمياء والرياضيات وهي علوم العصر التي يطلبها عصرنا الحاضر والأمر نفسه لطالب المسار الإداري الذي سيحرم من فرصة الالتحاق بأية كليات علمية أو طبية فهل هذا ما نحتاجه في عصر العلم والمعرفة؟
فلسفة التعليم الثانوي هي إعداد الطالب للدخول للدراسة الجامعية بتثبيت معارفه العلمية والرياضية واللغوية وتنمية اهتمامه بالرياضة البدنية والصحية فكي فيكون ذلك وهناك حصة واحدة فقط للنشاط البدني وهي قصرا علي الذكور وكيف يكون ذلك ونحن نحاصر الطلاب في تخصصات من الآن تحدد ما سيدرسونه لاحقا وهم مازالوا صغارا وغير مدركين لما يريدون التخصص فيه مستقبلا لكنهم سيضطرون إلى دفع ثمن خيارات وزراه التعليم التي فرعت تعليما عاما وأساسيا في الثانوية وجعلته متخصصا قبل عمر التخصص و قبل مرحلته وهي الجامعة.
أقولها بصوت عال لكل أم ولكل أب ولكل طالب وطالبة مقبلين على المرحلة الثانوية: تجبنوا الدخول في المسارات الضيقة وابقوا على خياراتكم مفتوحة فحتى لو قررتم لاحقا الالتحاق بكلية الشريعة فنحن بحاجة إلى علماء في الشريعة يفهمون الرياضيات ويعرفون أثر الفيزياء في حياتنا اليومية. التحقوا فقط بمسار العلوم الطبيعية حتى يبقى الباب مفتوحا لكم بعد الثانوية لاختيار التخصص في المرحلة الجامعية سواء في الكليات العلمية أو الأدبية أو الشرعية.
من هذا المنبر أناشد وزير التعليم د. العيسي وهو الخبير الذي ألف الكتب حول مآسي وأخطاء نظامنا التعليمي أن يدرس بعمق وشفافية فكرة المسارات في المرحلة الثانوية ويسترشد بخبرات دول متقدمة سبقتنا بمئات السنين فيلغيها تماما ويبقي مسار العلوم الطبيعية فقط إضافة إلى مواد أساسية مثل نظرية المعرفة والمنطق كما في كل دول العالم. اللهم إني بلغت.