«الجزيرة» - ناصر البراك:
حذَّرت «الجزيرة» مطلع أغسطس من 2014 في تقرير نشرته بعنوان (عقود المتاجرة خطر يهدد الأفراد المقترضين بالقطاع العقاري) من تأثير ارتفاع أسعار الفائدة مستقبلاً على القسط الشهري للمقترض العقاري بصيغة الإيجارة بسبب ارتفاع تكلفة التمويل، وجاءت هذه التحذيرات التي تضمنها التقرير وقتها نتيجة ما رصدته «الجزيرة» في المعارض العقارية من عدم مبالاة الأفراد بنوعية العقد بقدر اهتمامهم بمبلغ التمويل وفي نفس الوقت الطريقة التي يتم شرحها للعملاء من قبل جهات التمويل.
وبعد نشر التقرير في عدد «الجزيرة» رقم «15287» وتاريخ 6 أغسطس 2014م وردت عدد من الأسئلة من بعض المهتمين حول خطر عقود المتاجرة الذي يهدد المقترضين بقطاع العقار، ولم تخرج ردود «الجزيرة» عمّا ورد في التقرير خصوصاً وأن ما تم رصده في معارض العقار هو اهتمام العملاء فقط بمبلغ التمويل، وهذا ما يجسّده حال السوق حيث يرتفع سقف الطموح والأحلام وقت الطفرة والرخاء.
خلال الفترة الحالية وهي فترة وجيزة سجلت أسعار الفائدة (السايبر) قفزة من حوالي 0.8 % إلى نحو 2 % خلال الفترة من أكتوبر 2015 إلى مارس 2016، هذا التغير جاء نتيجة عاملين: الأول رفع مؤسسة النقد الفائدة تزامناً مع قرار رفع الاحتياطي الفيدرالي الأميركي للفائدة على الدولار بنسبة 0.25 % في ديسمبر الماضي، والسبب الثاني شح السيولة في القطاع المالي، ودفع هذا الارتفاع بعض جهات التمويل في الفترة الأخيرة إلى تغيير سعر الفائدة على القروض العقارية من حوالي 3 % كمتوسط استمر لفترة تجاوزت 4 سنوات ليقفز إلى حدود 5 % تقريباً في هذه الفترة، حيث تفاجأ بعض المقترضين بارتفاع مبلغ القسط الشهري (المستقطع شهريا)، وأحدث هذا الارتفاع ردود فعل غاضبة في وسائل التواصل الاجتماعي بالرغم من أن العقد المبرم بين الطرفين يخوِّل للممول رفع سعر الفائدة على القرض في حال ارتفعت أسعار الفائدة مستقبلاً، وهنا سنوضح أنواع العقود في التمويل العقاري الممنوح للأفراد. الأول: عقد بصيغة المرابحة وهذا النوع لا يسمح لجهة التمويل من تغيير السعر أو الهامش طيلة فترة ومدة التمويل، والنوع الثاني: وهو عقود التمويل العقاري بصيغة الإيجارة وهذا النوع يعطي الحق لجهة التمويل بتغير السعر ولكن هذا يتم بصفة دورية مرة كل عامين وفق الاتفاق بين العميل وجهة التمويل.
ومن جملة الإشكالات أن الناس في الغالب لا تبذل أي جهد في تكوين قناعاتها وقراراتها، ولكن يجب طرح التساؤل ما الذي دفعك إلى الحصول على تمويل عقاري بصيغة المتاجرة وأنت تعلم وبحسب العقد المبرم أن الفائدة متغيرة وسيعاد تقييمها كل سنتين؟ وأن ارتفاعها أو انخفاضها أمر محتمل! وفي نفس الوقت أسعار الفائدة وقتها تقبع عند مستويات دنيا تاريخية، وقد كان لديك خيار أفضل وهو الحصول على قرض عقاري بعقد المرابحة بحيث يعلم المقترض منذ البداية إلى نهاية العقد كل التكاليف المحتملة عقد المتاجرة يكون أفضل في الوقت الذي تكون أسعار الفائدة مرتفعة للغاية مثل مستوياتها في 2007 لأن المقترض أخذ أغلب المخاطر المحتملة، فإما أن يكون ثبات في التكلفة أو انخفاض، أما في الوضع السابق فبلا شك أن عقد المرابحة فرصة قد لا تتكرر بسهولة.
وحتى وإن برَّر البعض أن قيمة التمويل بصيغة المتاجرة وقتها كانت أكثر من التمويل بصيغة المرابحة، وكذلك الفائدة وقتها على الأول كانت أقل بفارق بسيط جدا بحوالي 0.10 % فقط وكان هو السبب في هذا الاتجاه، وفي نفس الوقت طريقة الشرح من جهات التمويل تعطي انطباعاً على أن من يشرح هو الآخر ربما لا يفهم معنى السايبر، وهذه وإن كانت جزءاً من المشكلة إلا أن الفرد فيها يتحمل 90 % على الأقل من الضرر الذي وقع عليه، السؤال الآخر والذي طرحته «الجزيرة» عبر التقرير السابق ماذا لو ارتفعت أسعار الفائدة مستقبلاً أكثر من الآن وهذا أمر محتمل، وقتها سيجد البعض أن قيمة القسط الشهري ربما ترتفع إلى حوالي ضعف القسط الشهري في بداية التمويل!
هناك مشكلة أخرى في هذا السياق ستطل برأسها على السوق العقاري في المملكة والتي قد تدفعه إلى مزيد من الركود وهي أن ارتفاع أسعار الفائدة الحالي على القروض العقارية تجعل من يبحث عن انخفاض العقار يحتاج إلى انخفاض بواقع 20 % لكي يحصل على العقار بنفس تكلفته السابقة، ونضرب مثالاً يوضح عدم استفادة الأفراد من الانخفاض العقاري (لنفترض أن شخصاً أراد شراء عقار (فِلَّة) عن طريق التمويل، وقيمة هذا العقار مليون ريال، وسعر الفائدة (سابقاً) 3 % وينوي سداد القرض على20 سنة فبالتالي فإن إجمالي ما سيدفعه هو 1.6مليون ريال وهو سعر العقار مليون ريال + فائدة التمويل 600 ألف ريال) هذا هو المشهد الأول قبل ارتفاع أسعار الفائدة، المشهد الثاني حالياً (فلنفترض أن سعر العقار السابق انخفض 20 % أي أصبح قيمته 800 ألف ريال وسعر الفائدة حاليا 5 % وفترة السداد نفسها 20 سنة فإن إجمالي ما سيدفعه الشخص لتملك العقار هو 1.6 مليون ريال وهو سعر العقار 800 ألف ريال + فائدة التمويل 800 ألف ريال) وهنا يتضح أن الذي ينوي شراء عقار يحتاج إلى أن ينخفض العقار بأكثر من 20 % لكي يحصل على العقار بنفس تكلفته السابقة، إلا إن كان هناك حلول من الحكومة لتحمل جزء من تكلفة التمويل وهو ما يتم تداوله الآن من وزارة الإسكان.