عروبة المنيف
نحاول جاهدين أن نؤثر على أبنائنا ليكونوا نسخاً منا ،يشبهوننا في كل شيء، فتوجيههم على الدوام يكون حسب ما نريد وحسب معتقداتنا وقيمنا وأهدافنا ،نحاول تشكيلهم كالصلصال بأيدينا ، ربما خوفاً عليهم أو ربما لتغلب نزعة التملك والسيطرة لدينا، متناسين أنهم أرواح لديهم أفكارهم وتطلعاتهم وأهدافهم وقيمهم ومعتقداتهم التي تختلف عنا نحن الوالدين، وبالتالي لديهم «نسخهم الفردية المميزة» التي ليست بالضرورة أن تشبهنا !.
قالها منذ زمن جبران خليل جبران «أولادنا أكبادنا تمشي على الأرض»، فخوفنا عليهم جعلنا نحميهم من أنفسهم، بحيث لا يصبحون ما يريدون أن يصبحوا عليه نتيجة تدخلاتنا المستمرة، محاولين فرض تجاربنا وخبراتنا ودروسنا الحياتية عليهم وعلى حياتهم الشخصية!.
إن الاستمرار في» نقد الأبناء وتقريعهم» على كل فعل أو قول يقومون به ويكون «مختلفاً عما نريده» نحن الوالدين سيجعلهم غير قادرين على التعلم من تجاربهم الشخصية ومن دروس الحياة خاصتهم التي مررنا بها نحن أيضاً يوماً ما فشكلت شخصياتنا وما نحن عليه الآن، بل إن تلك «الانتقادات والتقريعات «التي تمارس عليهم سينتج عنها مع مرور الوقت حس المخالفة والمعارضة لديهم بل وربما التمرد.
وعلى أفضل الاحتمالات إذا كان الأبناء مسالمين سيعملون على مجاملتنا، فلن يكونوا هم أنفسهم بل سيكون لهم وجهان، أحدهما مطيع ظاهرياً ، والآخر يفعل ما بدا له في الخفاء ، فيتعلم كيف يمارس الكذب والمرواغة، فنكون بذلك قد علمناهم أيضاً « فن لبس الأقنعة» وتغييرها حسب الظروف! إن ذلك الأسلوب التربوي سيجعلهم عاجلاً أم آجلاً «بوجهين» أو «نسختين»، «نسخة لمجاملتنا» نحن الوالدين، ونسخة أخرى هي «نسختهم الشخصية» التي يريدونها، والتي يمارسونها خفية، وتشمل أفكارهم وأهدافهم وتطلعاتهم وقيمهم ومعتقداتهم التي يؤمنون بها ولا يريدون تبديلها أو اقتحامها.
إن ذلك الأسلوب سيجعلهم أشخاصاً مضطربين، خائفين، ومراوغين.
لا أدعو هنا إلى ترك الأبناء بدون توجيه أو نصائح أبوية بل هي ضرورية ومن صميم واجبات الوالدين، ولكن يجب أن يكون الأسلوب التوجيهي «حكيماً وواعياً»، بحيث يساهم في «ترسيخ ثقتهم بنفسهم وبقدراتهم» ليجربوا ويختاروا، فيكونون هم أنفسهم لا مسخاً عن والديهم.