عبدالوهاب بن حسن القحطاني
ما أن انتهت مباراة الأهلي مع منافسه على بطولة دوري عبداللطيف جميل لعام 2015- 2016 نادي الهلال، وقبل انتهاء الموسم بجولتين حتى أُشعلت قناديل الفرح، وفاضات النفوس بالبشر، وتراقصت الأعلام الخضراء في مدرجات المجانين تعزف أغاريد العشق بألحان طربية طرزها صبرٌ وجهدٌ العاشق خالد، ورئاسة مباركة من مساعد، ودهاء من «غروس»، وإشراف جاد من طارق، وحُسن إدارة من موسى، مع روح وثابة كان العزم إطارها والإصرار مضمونها من لاعبين تعاهدوا على رفع كأس الدوري عالياً بعد أكثر من ثلاثة عقود لم تغرب فيها شمس النادي الأهلي خلال هذه السنوات عن بطولات أخرى، لكنها لم تكن بمثل أهمية كأس بطولة الدوري العام.
كان وقع هذه البطولة للنادي الأهلي مختلفاً هذه المرة، فالكل لاحظ حجم الفرح الذي تغنى به المجانين كباراً وصغاراً، ولا لوم في ذلك ولا تثريب.. فما تعرض له النادي من كما قال رمزه (بفعل فاعل) لم يحبط رجاله المخلصين أو يثنيهم عن الالتفاف والتوحد، والعمل بروح -الفريق الواحد- كل حسب إمكاناته وخبراته ومجهوداته إلى أن سطعت في سماء الراقي البطولة كشمس وسط غيمة في ليل شتاء قارس، فتماهت قطرات مطر غسلت معها، وبددت آهات انتظار طويل.
كأس بطولة دوري جميل هذا العام جاء بنكهة فريدة ومذاق عذب لا يمكن تحديد حجمه أو قياس أبعاده ولا يعادله حلاوته قطعة كيك سويسري على ضفاف بحيرة «اللوغانو»، ولا متعة ارتشاف قهوة المساء في «الفوكيت» الباريسي على جادة الشانزليزيه، ولا كشذى طيب عود كمبودي فاخر يخترق مساءات حبيب حان موعد قدومه.. بعد طول صبر وعناد، وتمنّع!. إنه كل ذلك معاً.. فهل نقول للكأس الغالية: هلا بالطيب الغالي؟.. أم هي تقول لرمز الأهلي وجماهيره: أنا راجع أشوفك.
لقد تفجرت معاني الفوز والفرح لهذه الجماهير الأهلاوية المجنونة التي مارست كل أنواع الوفاء وتلفّحت بشالات الحنين، وقدمت تضحيات الحضور والمؤازرة لفريقها حتى في أسوأ مواسمه، لأنها مجنونة هائمة بالكيان الأخضر، وكان لها ما أرادت فأينعت السنابل الخضراء في مفاصل المنافسة وتسابقت الأشجان تفيض بشلالات العشق السرمدي للكيان الراقي من أعالي جبل اللوز شمالاً، حتى قمم السراة الشم وتهومها جنوباً، ومن بحر العروس الزاهي غرباً إلى محارات اللؤلؤ شرقاً على ساحل الخليج.
هذه الجماهير من كافة أرجاء المملكة، لم تعرف مع، ومن الأمير الباذل بسخاء الرمز خالد بن عبدالله، إلا الرقي في التعامل حتى مع من أساؤا إلى الكيان الأهلاوي، فتحمل بحلمه وبفروسية نادرة كل ما كان تقذف به أفواه أشخاص لا تقيم للمنافسة الشريفة قدراً، وانصرفت لإدارة أمورها النفعية الخاصة، بينما تركت أنديتها تئن تحت وطأة ظروف غير عادية. إن تحقيق الأهلي لهذا الإنجاز لا يعادل قطرة في بحر وفاء أبا فيصل للنادي وجماهيره، وهو ثمرة عمل دؤوب ومحاولات واجتهادات مؤثرة من جميع رؤساء النادي السابقين وكل من عمل معهم، فهم الذين حملوا أمانة الأهلي وجمهوره، منذ أن أوكلها لهم المغفور له بإذن الله الأمير عبدالله الفيصل، عندما قال مقولته الشهيرة: (الأهلي ملكٌ لجمهوره)، وليس لأيّ طرف آخر.. فبهذا الهدف الراقي الذي وضع نصب العيون تحققت هذه البطولة هذا العام «بلا شبهات»، وأتت للأهلي ولرمزه وجماهيره منسابة طائعة لتمنحه وسام التميز والجدارة.
إن حلم الـ 32 عاماً أبان للأهلاويين وبجلاء لا لبس فيه بأن لفريقهم في قلوب جماهيره ولاء متأصلاً، وأن ليلة التتويج لم تكن إلا مجرد إعادة لشريط حمل في طياته سيمفونيات من الأمل كان قد أجاد عزفها أبناء النادي الراقي منذ عقود، وطاروا بها ومعها إلى فضاءات الكون الرحيب فعاد هدير المدرج الأهلاوي من جديد، واستعرض أمام الملايين جماله وأناقته، وعذوبة نشيده وأهازيجه، بعد أن ناله من (التغييب) ما ناله.
نعم.. بطولة مستحقة، ومتفردة بعد طول عناء، ومن المؤكد أن الأهلاويين لن يتنازلون عن البطولات المقبلة بسهولة.. فهناك داعمون وإدارة سيضعون رصيدهم المادي، والمعرفي، والمهاراتي في بوتقة واحدة لقادم البطولات.. فمن بين أيديهم تجلى مثل هذا النجاح في قطف إنجاز كأس الدوري، ولاشك في أن الجميع قد استوعب أسباب الغياب، رغم أن البطولة كانت قد أومأت برأسها للأهلي عدة مرات وتحديداً في السنة الماضية، إلا أنه لم يظفر بها.
لقد كان موسم دوري جميل هذا العام استثنائياً بالنسبة للنادي لأهلي بأحداثه، بل إن الدوري بكامله وحتى آخر دقيقة في آخر مباراة جمعت فريقي الرائد ونجران كان مليئاً بالمفارقات والمفاجآت و»الغرائبيات» ما أضفى عليه روعة وتميز، ولكن البطولة ذهبت في ختامه للنادي الأهلي، عن جدارة واستحقاق.. وهو أهل لذلك.