«الجزيرة» - محمد السهلي:
تزامنت عوامل ضعف في التشريعات التنظيمية وبوادر باضمحلال السيولة لدى المستثمرين الخليجين في إغلاق بنكين إسلاميين (في أذربيجان وسنغافورة)، وإلغاء طلب افتتاح بنك إسلامي في تركيا. ومن دون شك فإن ذلك ينبئ بالأوقات العصيبة التي تمر بها المالية الإسلامية في الوقت الذي يتباطأ في النمو بأسواقها الرئيسة في الخليج وماليزيا. ومن شأن ذلك أن يبعث برسالة للبنوك الإسلامية خارج منطقة العالم الإسلامي أن الحاجة لملاحقة المستثمرين (الذين يسعون لاستثمارات متوافقة مع الشريعة) قد أصبحت ضئيلة. إن آفاق النمو الضعيفة قد كانت وراء بعض قرارات إلغاء التوسع في المالية الإسلامية والتي ظهرت في الآونة الأخيرة.
فعلى سبيل المثال فقد طلب بنك خلق من الهيئة المشرفة التركية على القطاع المصرفي إلغاء الموافقة السابقة له على إنشاء بنك إسلامي. وفي السابق قال بنك الوقف التركي إنه سيزيد رأس ماله من أجل إنشاء بنك إسلامي.
وفي آسيا، قال بنك دي بي إس، أكبر بنك في سنغافورة، إنه سيقلص وحدة الصيرفة الإسلامية التابعة له تدريجياً بعدما لم تحقق اقتصاديات ذات حجم يعتد به.
من ناحية أخرى، قال مدير كبير، إن بنك أذربيجان الدولي أكبر بنوك البلاد والوحيد المملوك للدولة قد أغلق قسم المعاملات الإسلامية لديه. وفي بلدان مثل أذربيجان وسنغافورة فإن تلك البنوك كانت الوحيدة التي تعمل وفقا للشريعة. ومن شأن ذلك أن يضع المودعون المسلمون في حرج جراء اضطرارهم لوضع أموالهم مع بنوك تقليدية أو حتى أخذ قروض منهم.
وقال بهنام قربان زاده، مدير الأنشطة المصرفية الإسلامية في البنك للصحفيين إن القسم قد أغلق، لكنه لم يذكر الأسباب. وبدأ القسم العمل في أبريل نيسان 2013م.
وعزت وسائل إعلام أذربيجانية القرار إلى عدم حصول البنك على الدعم اللازم من الجهات التنظيمية.
وقال ياديغار جعفرلي، المتحدث باسم بنك أذريبجان الدولي لوكالة ترند للأنباء «الاتفاقات الموقعة مع المؤسسات المالية الدولية في إطار الأنشطة المصرفية الإسلامية والتزامات البنك في هذا المجال ستظل قائمة».
كانت الأصول الإسلامية للبنك زادت إلى 526 مليون دولار في نهاية 2014م من 160 مليون دولار قبل عام. وكان البنك يقدم المنتجات الموافقة للشريعة عبر نافذته الإسلامية وهي وسيلة تسمح للبنوك التقليدية بتقديم الخدمات المالية الإسلامية مادامت أموال العملاء منفصلة عن بقية البنك.
وفي 2014م جمع بنك أذربيجان الدولي 252 مليون دولار عن طريق قرض إسلامي مجمع من مصرف الهلال وبنك بروة وسيتي جروب وبنك دبي الإسلامي وجيه.بي مورجان وبنك نور.
التفاوض السري
ولقد كان يروى في 2012م أن رجال الأعمال المسلمين في دولة أذربيجان ذات الأغلبية المسلمة إذا أرادوا أن يحصلوا على قرض وفق مبادئ الشريعة يتفاوضون عليه سرا.
ويقول فؤاد علييف، أستاذ الشريعة في معهد آسيا الوسطى والقوقاز التابع لجامعة جونز هوبكنز في واشنطن إن توجس الحكومة من الإسلام السياسي دفع البنوك إلى تقديم التمويل الإسلامي سرا، فكانت الصفقات المتوافقة مع الشريعة تتم تحت ستار النشاط المصرفي التقليدي.
لكن حكومة الدولة السوفيتية السابقة لا تزال مترددة في سن قانون ينظم الصناعة ويسمح للبنوك التجارية بتوسيع أنشطتها وإصدار سندات إسلامية.
ويرى مصرفيون ومحللون أن نمو الصناعة البطيء وغير المكتمل في أذربيجان التي يدين 93% من سكانها البالغ عددهم 9 ملايين نسمة بالإسلام يعكس توجساً من أن التمويل الإسلامي قد يشجع نهوض الإسلام السياسي في البلاد.
وبعد أن خرجت البلاد من تحت أنقاض الاتحاد السوفيتي قبل عقدين سارعت للانضمام إلى عضوية البنك الإسلامي للتنمية وهو مؤسسة مالية مقرها جدة.
لكن مصرفيين يقولون إنه قبل 6 أعوام من الآن لم تكن الحكومة ترغب في تأسيس صناعة مصرفية إسلامية على أراضيها.
وحاول بنك صغير وحيد في البلاد طرح حزمة متكاملة من الخدمات المتوافقة مع الشريعة فسحب البنك المركزي رخصته في يناير 2010م بدعوى أنه خالف قوانين البنوك وأغلق.
وقال أحد المصادر إن «القوانين الحالية في جمهورية أذربيجان لا تعترف بالتمويل الإسلامي أو النشاط المصرفي الإسلامي أو أنظمتهما كممارسة مقبولة قانونا، وليس ثمة مقترحات محل نقاش حاليا في الوزارة.» (يقصد المالية).
وأكدت إيجون سفرلي، المسؤولة في البنك المركزي أيضا على عدم وجود محادثات بشأن إعداد إطار تشريعي.
ويترك هذا الوضع شركات مثل أنصار للتأجير التي أسستها المؤسسة الإسلامية لتنمية القطاع الخاص عام 2008 في مأزق.
كازاخستان
استنادًا إلى مجموعة من البحوث الأولية والثانوية، فقد أبدى مستهلكو الخدمات المصرفية لصغار الزبائن في كازاخستان اهتمامًا بالمصارف الإسلامية، وكان أغلب المشاركين في الاستطلاع من المسلمين وأبناء جيل الألفية، حيث أعرب 45% منهم عن رغبتهم في استخدام المنتجات والخدمات المصرفية المتوافقة مع الشريعة الإسلامية.
على الرغم من أن هذا النوع من الأعمال المصرفية غير التقليدية لا يزال جديدًا نسبيًا في البلاد، إلا أن كازاخستان استثمرت في بناء أساس متين له، حيث تمتلك البلاد إطارًا قانونيًا للعمل المصرفي الإسلامي والسندات الإسلامية (الصكوك) والتأمين (التكافل) والتأجير (الإجارة)، فضلاً عن التعديلات الجديدة المتعلقة بتحويل البنوك التقليدية إلى مصارف إسلامية.
آسيا الوسطى والطالبان
ورغم أن نظام «طالبان» الذي حكم الجزء الأكبر من أفغانستان من 1996م وحتى تاريخ الغزو الأميركي عام 2001م، لم يشن يوماً اعتداء مباشراً على دول آسيا الوسطى.
وفي كثير من الأحيان، أفسح ذلك المجال أمام شنّ هؤلاء المسلحين عمليات في قلب آسيا الوسطى. وفي مثال على توغّلها داخل المنطقة، نذكر هجوم العام 1999م على محافظة باتكين في جنوب قرغيزستان، حيث تمكّن متطرفون كانوا قطعوا مسافة طويلة عبر طرق جبلية وعرة من أفغانستان، من الصمود لمدة أشهر إلى أن تمّ إخراجهم بمساعدة من قوات جوية روسية وأوزبكستانية.
يُذكر أنه من بين الدول الخمس في آسيا الوسطى، تُعدّ طاجيكستان وقرغيزستان الأصغر حجماً ومن بين الأشد تأثّراً بالمخاطر المحدقة، وتَعتمدان على التحويلات المالية التي يُجريها العمال المؤقتون في روسيا، مع الإشارة إلى أن هذه التدفّقات النقدية تلقّت صفعة موجعة جرّاء الأزمة الاقتصادية الروسية وانحدار الروبل. من ناحية أخرى، يتنامى في منطقة آسيا الوسطى الالتزام بتعاليم الدين الإسلامي، سواء جهراً أو سرّاً، كما هي الحال في مجتمعات أوزبكستان وتركمانستان.
وفي قرغيزستان وحدها، كانت المساجد معدودة عندما نالت البلاد استقلالها في العام 1991م. أما اليوم، فباتت تضمّ نحو 3 آلاف مسجد ويتمّ بناء أخرى جديدة كل شهر.
وكما كانت عليه الحال في تسعينيات القرن الماضي، من المرجّح أن تتخطّى الاضطرابات التي قد تندلع في أي من دول آسيا الوسطى الحدود التي كانت رُسمت في عهد الاتحاد السوفياتي لتعصف بالدول الأخرى، لاسيّما في وادي فرغانة المكتظ بالسكان، وهو مركز تاريخي للحضارة الإسلامية يمتدّ بين أوزبكستان وقرغيزستان وطاجيكستان.
وذكر اللواء كوبانيشبك أوروزباييف، النائب الأول لرئيس مجلس الدفاع في قرغيزستان الذي يقوده رئيس البلاد، أن هؤلاء المسلحين لا يطرحون التهديد نفسه على آسيا الوسطى كما كانت الحال في تسعينيات القرن الماضي. فالقوات المسلحة في المنطقة باتت أقوى بكثير اليوم، فضلاً عن أن روسيا تحافظ على حضور عسكري كبير لها فيها، على حدّ تعبيره. وتملك موسكو قواعد دائمة في طاجيكستان وقرغيزستان على السواء، علماً بأنهما من الدول الأعضاء في «منظمة معاهدة الأمن الجماعي» وهي تحالف عسكري إقليمي بقيادة موسكو.