د. عبدالرحمن محمد السلطان
تصريح رئيس أكبر شركة نفط روسية الأسبوع الماضي بأن منظمة أوبك انتهت فعلياً كمنظمة موحّدة، وينبغي نسيان الحقبة التي كان بوسعها فيها التحكم في أوضاع سوق النفط يعكس عدم إدراك الكثيرين لمدى حاجة السوق النفطية في الوقت الحاضر لأوبك، وأن وضعاً خاصاً لهذه السوق هو الذي استدعى وجود منظمة لمصدِّري النفط بينما لا يوجد منظمة مماثلة لأي سلعة أخرى. وإن كانت أوبك قد ماتت فعلاً فلم كل هذا الاهتمام الآن باجتماعات وزراء نفطها رغم يقين الجميع أنه لا يتوقع صدور أي قرار ذا أهمية، بينما نجد في الفترة بين عامي 2002 و2013 لم يكن أحد يهتم باجتماعاتهم، وربما لا تجد حتى خبراً عنه في وكالات الأنباء العالمية.
السبب في ذلك أن سوق النفط في أمس الحاجة إلى أوبك إن كانت السوق تعاني من فائض في العرض، وهناك حاجة لتقييد الإنتاج حتى لا تنهار الأسعار، أما عندما يكون هناك طلب عالٍ ولا تعاني السوق من فائض في العرض، فإن أوبك تصبح هامشية لا أهمية لها، وهذا ما كان عليه الحال بين عامي 2002 و2013 عندما كان فائض الطلب يدفع الأسعار للارتفاع بشكل مستمر. بالتالي يمكننا القول بأن أوبك كانت خلال تلك الفترة ميتة أو على الأقل في حالة بيات شتوي لانتفاء الحاجة لها في السوق النفطية، بينما نجد أن أسعار النفط قد تراجعت بقوة منذ أواخر 2014 بسبب أن القوة الوحيدة القادرة على منع حدوث ذلك هي أوبك، وعندما قررت عدم تخفيض إنتاجها للحفاظ على توازن السوق انهارت الأسعار.
لذا فإنه يستحيل استقرار السوق النفطية إن كانت السوق تعاني من فائض في العرض دون أوبك، والسوق النفطية منذ نشأتها لم تكن يوماً سوقاً تنافسية، وكان هناك على الدوام من يتولى مهمة تقييد العرض تفادياً لحدوث انهيار في الأسعار. وأوبك عندما تولت هذه المهمة بدءاً من عام 1973 لم تكن بدعة جديدة، وإنما فقط انتقال في مهمة ضبط السوق من شركات النفط العالمية إلى الدول المصدرة نفسها.
من ثم فإنه ما لم تغير منظمة أوبك إستراتيجيتها، وتعود للقيام بدورها كضابط لكمية العرض في السوق، من خلال عودتها لأداء دورها كمنتج متمم، فإن السيناريو الوحيد التي سيسيطر على السوق النفطية خلال السنوات القادمة هو سيناريو التذبذب الحاد في أسعار النفط. فمع تهاوي الأسعار تقل الموارد الموجهة للاستثمار في قطاع النفط، فتتقلص القدرة الإنتاجية تدريجياً إلى أن يحدث نقص كبير في العرض فتندفع الأسعار بقوة إلى الأعلى، ثم مع ارتفاع الأسعار تنجذب استثمارات ضخمة لصناعة النفط فتنمو الطاقة الإنتاجية بما يفوق حاجة السوق فتنهار الأسعار، ثم يتكرر هذا السيناريو من جديد.
بالتالي فأوبك وإن توهم البعض أنها ماتت فإنه لا يمكن أن يحدث ذلك طالما أن السوق تعاني من فائض في العرض النفطي، وهي فقط قررت التوقف عن القيام بدور لا تستطيع السوق النفطية الاستغناء عنه مطلقاً، بل وستزداد الحاجة إليه في السنوات القادمة إن نجحت سياسات حماية البيئة، وتخفيض الاعتماد على النفط في قطاع المواصلات في تخفيض الطلب العالمي على النفط، فدون قيام أوبك بضبط كمية العرض يمكن أن يكون هناك فائض كبير تنهار معه الأسعار بصورة تدمر الصناعة النفطية في الكثير من الدول المنتجة. وإن كنا سنتفادى هذا السيناريو الكارثي على الدول المنتجة والمستهلكة على حد سواء، كونها جميعاً تتضرر من حدوث تقلبات شديدة مستمرة في الأسعار، فلا غنى عن أوبك لكي تستقر السوق النفطية، أو أن توجد جهة أخرى تقوم بهذا الدور عوضاً عنها وليس في الأفق حالياً من يقدر على ذلك.