رقية الهويريني
استأذنت إحدى الموظفات من مديرتها لأن لديها موعداً صحياً تم تحديده سابقاً! فطلبت منها المديرة إحضار ما يثبت دخولها للطبيب. فترددت الموظفة قليلاً، ثم اقتربت من المديرة وهمست في أُذُنِها مطولاً، وعندها تمعر وجه المديرة وسمحت لها بالانصراف وهي تدعو لها وتسترجع وتحوقل وتستغفر ربها!.
لم يكن الموعد إلا حضور جلسة قراءة ونفث عند أحد الرقاة من تجار الوهم الذين يستغلون سذاجة النساء وتهافتهن على استراحات القراءة حتى صار من الصعوبة الدخول إليها إلا بتنسيق مسبقٍ وجداول مواعيد! حيث أصبحت تلك الاستراحات موئلاً مخصصاً للرقية وبيع العسل والزيت والماء المقروء فيه.. ولا شك أن حب المال وجهل الناس واستغلال ضعف المرضى هو ما يغرى هؤلاء الرقاة بهذا السلوك.
ولئن كان هؤلاء المدعون من المتاجرين بالدين قد أوهموا مرضاهم بهذا الطب كل هذه السنوات؛ فإنهم لا يتحملون وحدهم مسؤولية استغفال الناس؛ بل يشاركهم بعض المشايخ الذين كتبوا لهم توصيات تشرْعِن وتعزز من أعمالهم! ويساهم بعض الناس في استشراء هذا الجهل بحجة أنهم بحثوا عن جميع أنواع العلاج؛ ولكنهم لم يشفوا أو أنهم لم يجدوا مستشفى يستقبلهم.
كل تلك السلوكيات تحدث برغم اعتراف أشهر راقٍ سعودي -كان يزعم إخراج الجن من أحشاء الإنسان- بأن تلبسه للإنس غير صحيح، وأن الجن لا ينطق بلسان الفرد!.. وقد وثق اعترافاته على موقع اليوتيوب، وقال إنه توصل إلى هذه القناعة وعاد إلى جادة الصواب معتزلاً مهنته كراقٍ شهير ظل يوهم مرضاه بالعلاج طيلة سنوات مضت!.
ومن المؤسف أن تقوم موظفة متعلمة بالتردد على هذا المدعي، وأن تسمح لها المديرة بترك عملها وتعطيل مصالح الناس، وتذهب لذلك المكان الموبوء بالجهل! في الوقت الذي يجب أن تبذل جهدها لتصحيح فكر إحدى موظفاتها أو منعها من ذلك التصرف.. وإقناعها بأن القرآن الكريم شفاء لما في الصدور، بشرط أن يقرأه المرء بنفسه دون وساطة من أحد، ويستشعر آياته ويوقن بها.
وعلى رموز المجتمع ومثقفيه مسؤوليةُ السعي لكشف زيف الرقاة وتنقية الفكر ورفض هذا الوهم، وإعلاء اسم العلم والطب الذي يقوم على التجربة والبرهان واليقين! كما على الجهات المختصة محاسبة الدجالين والمدلسين، ووقف نشاطهم الذي لا يتناسب مع العلم والحضارة والتنوير.