ناهد باشطح
فاصلة:
«هناك دخان حيث هناك نار»
(حكمة لاتينية)
كنت يومًا ما مبتعثة، ومرارًا أوقف الصرف عني من قِبل الوزارة والملحقية مثل غالبية الطلاب والطالبات، بل توقفت البعثة بأكملها رغم كل محاولاتي في فهم الأسباب وحلها. وأعرف تمامًا كيف يرتبك الطالب، ويضيع وقته وطاقته التي هي مخصصة للدراسة بين تحرير الخطابات إلى وزارة التعليم العالي ومستشاري الوزير ومشرفي الملحقية وبوابتها الإلكترونية ذات الردود المعلبة.
هذا لا يعني أني أبرر لأي مبتعثة أن تسيء إلى بلادها، خاصة في محاولة حل مشكلتها المادية عن طريق الإعلام الغربي.
لكن علينا أن ندرك إلى أي مدى ما زال دور السفارات والملحقيات الثقافية بعيدًا عن احتواء الطلاب خارج الوطن في ظل تكاسل المسؤول الأول، وهو وزارة التعليم العالي.
لماذا أكتب عن معاناة المبتعثات وليس المبتعثين؟
لأن المبتعثة غالبًا معاناتها مختلفة؛ فهي تعاني بسبب المرافق إذا لم يكن يدرك معنى المسؤولية أيًّا كانت قرابته لها. والملحقية في بريطانيا حين أرادت أن تحل هذا الإشكال أوقفت الصرف عن كل مبتعثة ليس لديها مرافق، بل تلغى البعثة تمامًا إذا قرر المرافق ذلك ضاربًا بالحائط مستقبل المبتعثة.
والنتيجة: ضاع حلم بعض المبتعثات، وعُدْن إلى البلاد، وبقيت أخريات دعمتهن أسرهن ماديًّا، وبقين يدرسن بلا مرافق!!
هل عالجت الملحقية ما اعتبرته مخالفًا لقانون وزارة التعليم العالي في شروط الابتعاث؟!
أما السبب الثاني لكتابتي عن المبتعثات وليس المبتعثين فلأن بعض المبتعثات يعانين من العنف ضدهن، خاصة من قِبل الأزواج.
وفي الوقت الذي تعاني المبتعثة فيه نفسيًّا تتنصل الملحقيات من دورها، وتلقي به على السفارات؛ إذ تحتفظ بدورها في الإشراف الدراسي فقط، وليتها تتقنه.
السفارات تبذل جهدها، ولي تجربة إيجابية مع سفارتنا في بريطانيا، ولكن المبتعثة التي تتعرض للعنف الأسري تحتاج قبل كل شيء إلى دعم نفسي، وتصطدم في لجوئها للسفارة بأن هناك أنظمة تعيق الحصول على حقوقها بسبب عدم التنسيق بين السفارات والملحقيات..
لذلك حينما تتداول الأخبار أن مبتعثة سعودية طلبت اللجوء إلى دولة كبريطانيا، الدولة التي عشت فيها سنوات طويلة، وأعرف قوانينها التي تدعم المحتاجين ماديًّا بغض النظر عن جنسيتهم، لا ألقي باللائمة على زوجة شابة لديها أسرة، وغير معروف ظروفها العائلية في السعودية، ومدى ارتباط الأسرة الأم بمشكلاتها.
الذين يطالبون بملاحقة المبتعثة قانونيًّا لا يعرفون معنى أن يضيع الإنسان في بلاد الغربة، ويخذله الجميع. والذين يتحدثون عن القيم والمثاليات لا يكذبون لكنهم فقط شباعى ويتحدثون عن الجوع، ومرفهون ويتحدثون عن الفقر.
تظل هذه المبتعثة وسواها خنجرًا في خاصرة كل مسؤول تخلى عن دوره والأمانة التي أوكلها إليه الوطن في رعاية مصالح أبنائه في غربتهم.
تظل المبتعثة ابنتنا؛ تحتاج منا إلى التوجيه حتى تعود إلى طريق الصواب. تظل المبتعثة جزءًا منا وإن أخطأت، ولا يمكن للوطن أن يظلم أبناءه أبدًا.