محمد جبر الحربي
لمَّا كنتِ أمامِي..
اشتعلَ الفلُّ بروحي
مِنْ سرواتِ حجازِ الغيْمِ
إلى نجدٍ..
منبتِ أشجارِ الشعرِ العربيِّ
وأكمامِ الغزلِ العذريِّ
ومنْ صَنعاءِ الحكمةِ والإيمانِ
ومجْرى الفنِّ
إلى الشّامِ.. إلى بُصْرَى الشَّامِ.
يا مَنْ في لفْتةِ وجهٍ عربيٍّ حرٍّ
تختصرُ الماءَ من النَّهريْنِ
إلى دلتا النيلِ
وترسمُ سالفَ أعوامي.
لمّا كنتِ أمامَ الرُّوحِ على مفرقِ صبحٍ عربيٍّ
يتدرّجُ منهُ اللونُ تدرّجَ تِينِ.
هلَّلتُ وقلتُ لعيْنِي:
ماذا تشبهُ هذي الوردةُ ممَّا مرَّ عليكْ؟
قالتْ قلبُكَ يفتيكْ!
قالَ القلبُ لذاكرتي
عفوُكِ سيدتي
العونَ هنا..
قالتْ: ألوانَ الدُّنيا
كنتَ صغيراً..
تفاحُ الطائفِ
صيْفُ الطائفِ بينَ يديْكْ.
حتى التِّينُ المشمشُ والرُّمَّانْ.
طيفُ الألوانْ.
الدهشةُ تُذْكي عينيكْ.
هذا ما كانَ من السّيرةِ والبدرِ وجنّةِ أحلامي..
حتّى أيقظني الصوتُ وكان الليلُ انتصفَ بغربتهِ في الآهْ.
كانتْ ترقبُ صورتَها في الشِّعرِ وفي المرآةْ.
قلتُ لها يا دنيا
أعني أنتِ
الوردةَ
ردَّت في تيهٍ ودلالْ.
هلْ تعشقُ غيري؟
كنتَ تقولُ لها في تمتمةٍ يا دنيا
تنطقُ باسمِ حبيبتِكَ الأولى
تنسى اسْمي
قلتُ لها
لا واللهْ
بلْ أنتِ الدُّنيا
أمّا تلكَ فذاكرتي
ما يتفتّقُ من فيضِ جمالٍ وخيالْ
فأنا أهربُ مما يتعبُ نحوَ الذاكرةِ
الطائفِ..
نهرِ الأحلامِ.
لا يَقلقْ طرْفُكِ نامي.
ناميْ..
فالناسُ نيامٌ هذي الساعةَ
والعالمُ ينعمُ بسَلامِ.
نامي..
نامي كيْ نصحوَ للفجْرِ وسلّةِ فاكهةِ العمْرْ.
فالناسُ تفيقُ الظهرْ
تكرهُ..
تحقدُ..
تسعى في خدرٍ كالسائمةِ كما خطّطَ تُّجارُ الليلِ
وباعةُ أسلحةِ الموتِ
كما يسعى بالفتنةِ..
أربابُ الحرْبْ.
أمَّا قلبي المؤمنُ.. قلبُكِ
هذا الطفلُ يحبُّ الأرضَ
ونبتَ الأرضِ
وطيرَ الأرضِ
سلامَ العالمِ
كلَّ العالمِ والأمنْ.
لكنَّ العِشقَ الأوَلَ للنَّخلِ
وماءِ سحابٍ يضحكُ في الوادي
حباتِ التمرةِ والسَّمْنْ
والقهوةِ من أيدي النِّسوةِ في فجرِ بلادي
يُوقظْنَ الشمسَ فيطربُ
يعزفُ لحنَ الرُّوحِ معَ الطيرِ على وتَرِ القلبْ.
ما تاهَ كما تاهوا في الدربْ.
يُؤمنُ بالخالقِ
ربِّ السِّلْمِ
وربِّ الفطرةِ
والأحبابِ
وربِّ الحبْ.
نامِيْ..
ما أنْ تستيقظَ أجملُ عينينٍ
سأطلقُ كالشِّعرِ لها سربَ حَمَامِ.
فهداياكِ الشعرُ يُحلِّقُ حرّاً من نافذةِ كلامي
أمَّا الرسمُ وما يتدلّى من شجرِ اللوْنْ
ما يتجلّى مِنْ حسْنٍ عربيٍّ كالحلْمْ
يا سرّاً من أسرارِ الكوْنْ..
فالصَّحوُ الصُّبحَ وأنتِ غمامِيْ.
يسبقُ شريانُكِ شرياني
ونُحلِّقُ كفراشٍ وطيورٍ تاهتْ في جنَّتِنا
نهدي للعالمِ من حنطتِنا خبزاً
من إيقاعِ اللهفةِ أنغاماً
مِنْ بسمتِنا حلوى للأطفالِ
فقدْ آنَ لهذا العالمِ أنْ يُفطرَ بالحبِّ
وأنْ يَسْعَدَ بعدَ صِيَامِ!
ناميْ..
ناميْ يا طفلةَ روحي..
نامي!