أحمد بن عبدالرحمن الجبير
علاقاتنا مع الهند في تطور، وهذا التطور يصل إلى مصاف العلاقات الإستراتيجية، ويظهر ذلك حجم التجارة البينية، والتفاهمات والاتفاقيات التي وقّعت مع الهند والتي تعكس وجود تصور لدى القيادة - حفظها الله - بالارتقاء بهذه العلاقة، فالعلاقة بيننا قائمة على النفط، وأمن الطاقة والغذاء، والتقنية والعلاقات الاقتصادية والسياسية، وفي العادة تكون التجارب في التعامل عاملاً مسانداً على ترسيخ العلاقات.
المملكة والهند وخلال سنوات وصلا إلى تفاهمات وأساليب عمل بحجم كبير من القوة، فالهند اليوم الشريك الأكبر للمملكة في النفط والطاقة، ولا يمكن حدوث ذلك دون مقومات راسخة مبنية على الثقة، ويعود تاريخ العلاقات السعودية - الهندية لمئات السنين، ساهمت في تشكيلها روابط اقتصادية وتجارية، واجتماعية وثقافية قوية، حيث يعمل في المملكة أكثر من 1.8 مليون هندي ويزور المملكة أكثر من 200 ألف مسلم لأداء الحج، والعمرة.
وهناك خطوات جادة وملموسة نحو شراكة إستراتيجية متينة وفاعلة، وكلا البلدين يعيشان حالة من الاستقرار السياسي والاقتصادي، وتتسم سياساتهما بالتعاون مع دول العالم، وقد توّجت العلاقات بمزيد من التفاهم والفاعلية في عهد الملك سلمان - حفظه الله - بعد لقائه برئيس الوزراء الهندي مودي عند زيارته للمملكة الشهر الماضي.
والذي قال إن بلاده تعتبر السعودية مرتكز الاستقرار، والأمان في منطقة الخليج، والشرق الأوسط، وإن رؤيتنا مشتركة لإقامة علاقة جيدة، ومتينة مع الرياض من أجل تعزيز التنمية والنماء الاقتصادي بين بلدينا، والازدهار لشعوبنا، وتثبيت الأمن والسلام في منطقة الخليج والشرق الأوسط والعالم.
فزيارة رئيس الوزراء الهندي تطرقت إلى العديد من الملفات الاقتصادية، والأمنية والسياسية وركّزت بشكل خاص على قضايا التعاون الثنائي وتعزيزه، ودعم الشراكة بين البلدين، وتفعيل وتطوير التعاون في مختلف المجالات مثل المؤسسات المشتركة، ومجلس الأعمال السعودي - الهندي، وإيجاد آليات يُمكن أن تُسهم في القضايا الإستراتيجية، والاقتصادية، والتجارية والاستثمار في التقنية والمعرفة، والطاقة.
وتُعتبر الهند قوة اقتصادية حديثة في العالم، وتسعى إلى ضمان الاستقرار، والسلام في منطقة الشرق الأوسط، مما يتفق مع السياسة السعودية، التي يهمها تثبيت الاستقرار في المنطقة من أجل تعزيز الاقتصاد العالمي، ومحاربة الإرهاب والتطرف، وهناك ثلاث شركات هندية عملاقة في المملكة الأولى لتشغيل خط قطار الشمال الجنوب، والثانية لمجمع تقنية المعلومات والاتصالات السعودية، والثالثة مع شركة أرامكو لتطوير معامل التكرير، والتصدير في ينبع.
وسجلت التجارة بين البلدين نمواً كبيراً في السنوات الأخيرة بين السعودية، والهند وزادت عن 63 مليار دولار خلال الأعوام الماضية، والتي تغطي مجموعة من القطاعات مثل خدمات الإدارة والاستشارات، والبناء، والاتصالات، والتكنولوجيا والمعلومات، وصناعة الورق، والكيماويات وبرامج الكمبيوتر، والتقنية وغيرها، وهناك نحو 500 مشروع مشترك.
إن تعزيز الشراكة بين السعودية والهند سوف يحقق الأمن والاستقرار لدول الخليج، والمنطقة ويبعد المنطقة عن هيمنة، وتحكم بعض الدول الطامعة في مواردها، ولهذا سعت المملكة إلى الشراكة الإستراتيجية مع الهند في الطاقة، والصناعة لأن القيادة السياسية في المملكة لديها نظرة ثاقبة بهدف كسب أصدقاء وشركاء جدد لتبادل المنافع خصوصاً في قطاعات الطاقة, والتعليم والتدريب والتقنية، وحماية مواردها الاقتصادية.
كما أن سياسة المملكة ثابتة، ومتزنة مع جميع الدول المحبة للسلام، ودائماً تسعى إلى بناء تحالفات جديدة تخدم مصالحها، والعالم العربي والإسلامي والدولي، ولها رغبة في تنويع علاقات التعاون بينها وبين أي بلد في العالم في العديد من المجالات، والخروج بأكبر النتائج الممكنة للاستقرار والسلام في المنطقة والعالم.
وفي الأسبوع الماضي التقيت سعادة السفير الهندي في الرياض أحمد جاويد، هو ونائبه الدكتور حفظ الرحمن، وقد لمسنا منهم بأن الهنود أكثر قرباً منا، ورغبة في تحقيق أفضل صور التعاون بين بلدينا، وأنهم في البعثة الهندية ساعون جداً لتوثيق العلاقة، والصلة وتذليل كافة الصعوبات آملين من الملك سلمان، وولي عهد الأمين، وولي ولي العهد - حفظهم الله - إيلاء هذه العلاقة مزيداً من الاهتمام، فالهند جارة تاريخية، وبيننا وبينها الكثير من القيم المشتركة.
لأن المملكة والهند قوة إقليمية، ودولية ضارية وهائلة، وأنهم من خلال التقارب، وتطوير هذه الشراكة، سيفتحون سبل التعاون الأمني في مكافحة الإرهاب، وسيكون لهم حضور أكبر في حل الأزمات الإقليمية والعالمية، حيث إن المملكة والهند بلدان مؤثران في المنطقة، والعالم مما يعني أن تقارب البلدين مع بعضهما يمكن أن يُشكِّل خطوات جيدة في حل العديد من الملفات العالقة والشائكة في المنطقة والعالم.