د. عبدالرحمن بن حمد الحميضي
سيحتاج الجميع داخل المملكة وخارجها بعض الوقت ليستوعبوا (رؤية المملكة العربية السعودية 2030)، إذ لا يُمكن اختصارها في عدد من العناوين مثل: إنشاء أضخم صندوق استثمارات بالعالم، والتحرر من النفط، وطرح أرامكو بالسوق المالية، والبطاقة الخضراء، وثلاثين مليون معتمر، وإنشاء صناعة عسكرية، ومكافحة الفساد، وتوفير المزيد من فرص العمل، والسياحة، كما فعلت العديد من وسائل الإعلام، وهو الأمر الذي أدّى إلى استعجال الكثيرين بالتعليق على الرؤية، قبل أن يكلفوا أنفسهم عناء الاطلاع عليها كاملة.
أربعون صفحة ترسم وجه المملكة في المستقبل القريب، وهو وجه مشرق يحقق من الأهداف، ما يفوق كل الطموحات، وقد ظلم الرؤية من رأى فيها إستراتيجية اقتصادية فقط، فقد ورد فيها التعليم مثلاً في أكثر من ثلاثين موضعاً، كما تناولت الصحة في عشرين موضعاً، وغيرها كثير من جوانب الحياة.
حين تناولت الرؤية الشعب السعودي قالت عنه، ما يلي: (ثروتنا الأولى التي لا تعادلها ثروة مهما بلغت: شعب طموح، معظمه من الشباب، هو فخر بلادنا وضمان مستقبلنا بعون الله، ولا ننس أنه بسواعد أبنائها قامت هذه الدولة في ظروف بالغة الصعوبة، عندما وحدها الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود -طيب الله قراه-. وبسواعد أبنائه، سيفاجئ هذا الوطن العالم من جديد).
هذه الكلمات هي الرد البليغ على أي مشكك في المستقبل، وعلى أي حديث متشائم، فالشعب الذي استطاع يوماً بدون نفط، أن يقيم هذه الدولة، قادر على أن يرفعها إلى مصاف الدول، مهما انخفضت أسعاره، لأنّ هذا الشعب هو الثروة الحقيقية، التي تعمل الرؤية على إعادته إلى سالف عهده، وأن تذكره بالقوة الكامنة داخله.
تحدث ولي ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، شارحاً وموضحاً مكامن القوة التي تعتمد عليها الرؤية، من عمق عربي إسلامي، وامتلاك قدرات استثمارية ضخمة، وموقع جغرافي وإستراتيجي فريد في العالم، باعتبار المملكة أهم بوابة للعالم، ومركز ربط للقارات الثلاث.
تعتمد هذه الرؤية على محاور ثلاث، هي: المجتمع الحيوي والاقتصاد المزدهر والوطن الطموح، ثم توضح أن هذا المجتمع الحيوي، يعيش أفراده وفق المبادئ الإسلامية ومنهج الوسطية والاعتدال، معتزين بهويتهم الوطنية وفخورين بإرثهم الثقافي العريق، في بيئة إيجابية وجاذبة، تتوافر فيها مقومات جودة الحياة للمواطنين والمقيمين، ويسندهم بنيان أسري متين ومنظومتي رعاية صحية واجتماعية ممكّنة.
وتشدد الرؤية على أن الاقتصاد المزدهر سيوفر الفرص للجميع، عبر بناء منظومة تعليمية مرتبطة باحتياجات سوق العمل، وتبين أن الوطن الطموح يعتمد على الفاعلية والمسؤولية، ولذلك سيتم تعزيز الكفاءة والشفافية والمساءلة وتشجيع ثقافة الأداء.
المملكة العربية السعودية التي ترسم الرؤية ملامحها، دولة تعتز بهويتها الوطنية، وبإرثها الثقافي والتاريخي، وتسعى لنقلها إلى الأجيال القادمة، وهي دولة قوية مزدهرة تتسع للجميع، دستورها الإسلام، ومنهجها الوسطية، تتقبل الآخر، ترحب بالكفاءات من كل مكان، وتضمن له الاحترام لكل من جاء لمشاركة هذا الوطن، البناء والنجاح، لخير شعب المملكة.
عندما يتساءل الأمير محمد بن سلمان بعفوية، قائلاً: معقول تكون قبلة المسلمين، وأهم بلد إسلامي، وليس عندك متحف إسلامي في المملكة العربية السعودية! هل هذا يعقل؟ عندما يأتي زائر غير مسلم ويريد أن يتعرف على الإسلام من السعودية، ولا يوجد أي متحف أو مركز يستطيع أن يثري ثقافته في الإسلام، من خلال المملكة العربية السعودية، هذا أمر غير منطقي تماماً، وهذا يدل على الشح في الخدمات الثقافية اللي نحتاجها في السعودية. هذا التساؤل وغيره كثير، يجعل المواطن يعيد صياغة الأولويات، وأسلوبه في التفكير، الذي اعتاد عليه لسنوات طويلة.
وهنا نقطة جوهرية أود الإشارة إليها، وهي أن من يطالع الإعلام العالمي خلال الأيام القليلة الماضية في تناوله لهذه الرؤية، سواء كان مؤيداً أو معارضاً، سواء كان مرحباً أو مشككاً، لكن ليس هذا مربط الفرس، سيجد المراقب أن النقاش الإعلامي العالمي حول المملكة، لم يعد قاصراً على الصور النمطية السقيمة، التي كانت غالبية المقالات تدور حولها، مثل قيادة المرأة السيارة، وفصل الجنسين، وأحداث الحادي عشر من سبتمبر.
هذه الرؤية جعلت العالم كله، يناقش أطروحات وطموحات، لم يعتد عليها من قبل في تناوله للمملكة، الآن يتناول المحللون قضايا تشغل الدول الصناعية الكبرى، مثل تحرر المملكة من النفط، والتوسع في مصادر الطاقة البديلة، وإنشاء قاعدة صناعية توفر نصف احتياجات المملكة من الأسلحة، وترسيخ آليات مكافحة الفساد، وتعزيز مبدأ الشفافية، وإقامة أكبر متحف إسلامي في العالم، والتوسع في السياحة الدينية، والخصخصة، وكذلك سعادة المواطنين والمقيمين، التي أصبحت على رأس أولويات القيادة السعودية، ودعم الثقافة والترفيه، وتوفير المنشآت الرياضية، وتوفير التعليم القادر على بناء الشخصية، وإشراك أولياء الأمور في العملية التعليمية.
إنني على يقين أن هذه الرؤية، ستفتح صفحة جديدة للمملكة مع العالم، وسيتضح ذلك في جوانب شتى من بينها ترحيب أرقى الجامعات العالمية بطلابنا، الذين حصلوا على تعليم ينمي مواهبهم وقدراتهم، ويعتمد على التفكير المستقل.
كما يبشر بالخير في الداخل، ما أعلنه معالي وزير التعليم، الدكتور أحمد العيسى، أن وزارة التعليم قد بدأت بالفعل التحضير لتشكيل فريق عمل يشرف على تنفيذ كل ما يتعلق بالتعليم في رؤية السعودية 2030 بمشاركة الجامعات وإدارات التعليم، لتحقيق الهدف المنشود منها وتحقيق رغبة القيادة في تنمية مستدامة.
ومن أجمل ما قاله سمو الأمير محمد بن سلمان: «لقد سمينا هذه الرؤية بـ (رؤية المملكة العربية السعودية 2030) لكننا لن ننتظر حتى ذلك الحين، بل سنبدأ فوراً في تنفيذ كل ما ألزمنا أنفسنا به، ومعكم وبكم ستكون المملكة العربية السعودية دولة كبرى نفخر بها جميعاً إن شاء الله».
إنني كمواطن سعودي أشعر بالفخر بهذه الرؤية الطموحة، لوطني الذي يعتز بقيادته الحكيمة، وهي القيادة التي آلت على نفسها بألا تقبل إلا أن تجعله في مقدمة دول العالم. ونحن وراء قيادتنا لتحقيق هذا الهدف الطموح، الذي تستحقه المملكة العربية السعودية.