السؤال الذي ما زال يتردد منذ الأزل: ما هو الوطن؟ الشعراء يتساءلون عن ماهية الوطن، ويكتبون في معانيه الأبيات والقصائد المطولة، والأدباء والعلماء يحاولون الوصول إلى تعريف واضح كاف شامل مانع للوطن، وما زالت الدائرة تدور، والوطن هو الوطن. عندما نحتفي بالوطن، فهذا لا يعني أنه كان مغيبا وغائبا عن خواطرنا قبل هذا الاحتفاء، ولا يعني أننا فقط نتذكره في الصعوبات، بل يعني أننا نقدر وجود الوطن، ونعني تماماً وبإدراك تام ماذا يعني ألا يكون لك وطن! ننظر يمنة يسرة ونرى العالم من حولنا مرتبكا متصارعا، يتكلمون عن حماية «وطن» وينتهكون حرماته، ويقتلون أطفاله، ويضيعون مستقبله، فنتساءل: ماذا يقصدون بالوطن إذن؟
وعندما نرى الكثيرين من حولنا هاجروا بحثا عن لقمة العيش، أو بحثا عن المأوى، أو بحثا عن الحياة، نعرف تماماً - نحن هنا في هذا البلد - المعنى الحقيقي لكلمة «الوطن».
عندما ترى والديك المسنين جالسين في دعة وأمان، لا يخشيان شيئا، ولا يتوجسان من موت أحد أبنائهما أو قتله، ولا يقلقان كثيراً إذا تأخر أحد؛ لأنهما يعرفان أنه في «وطنه» في «بلده» وبين «أهله ومواطنيه»، تعرف حقيقة وبكل عمق ماذا يعني «الوطن». ولأنني تغربت مدة عن وطني، وأعرف بكل عمق ماذا يعني الوطن، كتبت هذا المقالة اليوم، عندما يبتعد الإِنسان عن وطنه، يراه مقدسا بدون عيوب، يراه كاملا من غير نقص، ويشعر فعلا ودون أي مبالغة، أن بينه وبين الوطن وشيجة قوية لا يمكن أن تنقطع لأي سب كان وبأي عذر كان، وشيجة كتلك التي تربطه بأمه وبأبيه وبأهله.
أقول هذا بكل ثقة وإصرار لأولئك الذين يركزون على النواقص التي تحدث في كل مكان، وينسون أنهم ينعمون بأمن وأمان لا يوجد في مكان آخر، يتركون أبناءهم وهم يعرفون أنهم سيعودون إليهم وهم بخير محفوظين من كل شر، يعرفون أنهم يمكنهم السفر من الرياض إلى مكة دون حمل أسلحة ولا حراسة، ولا يتعرض لهم في الطريق أحد، ومع ذلك يصرون على التركيز على النواقص والسلبيات.
نعم لا نقول إن وطننا خال من السلبيات، ولا أنه أكمل الأوطان، ولكننا نحبه بكل ما فيه من عيوب وحسنات، ونحن إليه، ونراه الأكمل دائما مهما قال القائلون.. وبالصبر والإخلاص لهذا الوطن سيأتي اليوم الذي نوصله إلى أعلى المراتب من الكمال لنا ولذرياتنا من بعدنا.
دعونا نذكر حسنات وطننا الآمن فقط، وننظر إلى الشعوب حولنا ونتعظ منها، ونقدر نعمة الله علينا أن جعل بلدنا آمناً هادئاً وادعاً بعيداً عن الفتن والحروب والمقاتلات التي تضيع عمر الوطن وعمر أبنائه وخيراته وثمراته بلا أي جدوى ولا فائدة.
ولي وطن آليت ألا أبيعه
وأنا لا أرى غيري له الدهر مالكا.
- مدير جمعية إِنسان فرع المجمعة