على كرسي صُنع من جثة شجرة مزهرة، قعد يرمق ثغره لعله يكل أو يمل. يتحدث ويخطب لساعات طوال وعيون الكل فاغرة إليه. أمامه صحن فاكهة ممتلئ بما لذ وطاب الأفواه مسترخية والجبهات محمرة والخدود مصعرة.
يتحدث ويرغي ويزبد. لا أحد يجرؤ على التفوه بحرف فأي نقاش معه حول موضوع بسيط سيتحول إلى سجال وجدال ونقاش عقيم ينتهي كما بدأ، به هو. عيناه تجولان وتصولان ترقبان متحدي للسانه السليط، فانبرى له موظف قديم عتيق ذا خبرة تعدت سنوات عمره على اثر تشجيع سابق كبير من زملائه الأصغر منه سنا بأنه الأفضل لسانا والأقوى حجة قائلاً: يا أستاذ همام حسبك والأرقام فهي دليل قاطع على الحاجة الملحة لإداراتنا كي تتطور وتواكب الإدارات الأخرى كفاءة، ان شراء الأجهزة ستكون ذات دفعة قوية لنا.
ضحك باستهتار خال من أي مراعاة لشعرات رأس بدر الشهباء ثم قال: أنت تقول هذا يا بدر! صاحب الخبرة والعلم والثقافة. أنت أفضل من يدرب هؤلاء الشباب. ان جلب أجهزة جديدة تحمل مفاجآت قد لا تحمد عقباها وقد لا يحسن استخدامها كما تعود الموظفون ثم ان الأجهزة القديمة تعمل بكفاءة ممتازة، مالنا ومال التكاليف الباهظة، غير المحسوبة.
تكور بدر في كرسيه وصاحت الألسن المشجعة له قبيل الاجتماع مؤيده للرئيس جاسم الذي تقبلها بابتسامة كبيرة ثم التفت نحو آخر قائلاً: هيا يا أيوب اشرح لنا سبب تقاعس الإدارات الأخرى عن أداء عملها؟ وقف أيوب كالفارس الهمام واخذ يعرض الشرائح والصور والإثباتات ثم ختمها بقوله:
وصلنا يا أستاذ همام إلى سد مغلق فقد أرسلت التنبيهات والتوضيحات ولكن لا حياة لمن تنادي فالمسألة تحتاج إلى منصب ارفع مني! ثم صمت وهو ينظر إليه متوجلاً.
رد عليه بهدوء: ومن قال لك انك ذو منصب متدن، أنت مدير كبير واصل الضغط عليها دون توقف. احمرت وجنتا أيوب ثم قال: يا أستاذ همام، إنني أخاطب من هم أعلى مني منصباً، لن يكترثوا بي ولن يهتموا. هنا تقدم برأسه والنظارة على أرنبة أنفه: هذا لأنك لم تقم بعملك بقوة وحزم فلو كنت حازماً لاهتموا بك.
واصل الضغط عليهم ثم استرسل في خطبة أخرى مملة جعل الرؤوس تميل إلى الطاولة ثم صمت فجأة. خشي الجميع من الحديث بل حتى لرفع رؤوسهم ظلوا صامتين وظل صامتاً ثم قررت رفع رأسي لأرى ما يحصل فإذا بهمام وجهه محمر كالطماطم وعيناه جاحظتان ولا يقوى على اخذ النفس رغم ان فاهه قد فتح على مصرعه.
التفت نحو زملائي فإذا بهم مطرقو الرؤوس جاهلون بما يحصل. وثبت إليه وضربته بقوة على ظهره فطفرت من حلقه حبة من الكرز ثم اخذ يتنفس الصعداء والدموع تنساب من عينه رامياً ظهره على آخر الكرسي. رفعت الرؤوس تنظر إلي ناقمة ثم نظر إليه ممتناً قائلاً: مخصوم منك يوم لأنك ضربتني!!!
** ** **
علي محمد الماجد - الدمام 2016م