قاسم حول
لعل ما يميز السيدة الكويتية منى طالب «ولا أريد تلخيصها بالإعلامية» هو هدوئها وتلقائيتها في الأداء بصوتها الدافئ وهي ترحل بنا نحو التراث في برنامجها المشوق «غناوي الشوق» الذي يقدمه تلفزيون الكويت.
ولعل ما يميز السيدة الكويتية منى طالب «ولا أريد تلخيصها بمقدمة برنامج» هو هذا الخزين من الذاكرة الجميلة، وعنايتها بالتفاصيل الكثيرة والمدهشة.
ولعل ما يميز السيدة الكويتية منى طالب «ولا أريد تلخيصها بالإذاعية الأولى» هو هذه المكتبة الموسيقية الغنائية المتنوعة والمتنقلة عبر تاريخ الكويت والمنطقة.
شاهدت ذات مساء حلقة من برنامجها، وقد رحلت بي نحو ستينات القرن الماضي، حين كان تلفزيون الكويت يقدم برامجه بالأسود والأبيض، في وقت أصبحت فيه التلفزيونات الملونة تقدم برامجها بالأسود والأسود!
كانت الأماسي الغنائية تقدم في مدينتي «البصرة» في باحة بيت من الشناشيل، والغريب كانت مزروعة في باحة البيت الواسع في منطقة «أم البروم» شجرة السدر «السدرة» وقد شاهدتها في ديكور برنامج «غناوي الشوق» في بلاتو تلفزيون الكويت، أهي محض مصادفة!؟ وكانت فرقة «زكيه البصرية» تتنقل بين البصرة والكويت. ونشاهدها تارة في منتديات الثقافة الموسيقية والغنائية في بيوت شناشيل البصرة، وتارة نراها في تلفزيون الكويت.
لم تكن المسافة بين البصرة والكويت سوى «شمرة عصا»! اليوم شاهدت المسافة طويلة حين ذهبت إلى الكويت بدعوة من صديقي الكاتب المبدع «إسماعيل فهد أسماعيل» لكي أعرض فيلمي القديم «الحارس» .. كنت سابقاً أذهب بسيارة أجرة من البصرة إلى الكويت في نصف ساعة واليوم بعدت المسافة حيث أخذت مني خمس ساعات ونصف، لأنني أسافر من مدينة لاهاي الهولندية باتجاه الكويت! ولهذا التباعد والبعد والبعاد دلالاته التي صنعتها الظروف المؤسفة!
كنت رئيسا ومؤسسا لفرقة مسرح النور في البصرة، وكان مدير حسابات شركة «الكوكا كولا» يرسل لنا مواد الديكورات من الأخشاب وسواها، ويرسل لنا عمال النجارة للمسرح على حساب بند إعلانات الكوكا كولا، وكان اسمه «عبد العزيز الحميدان» وهو من المملكة العربية السعودية العزيزة.
أما البرنامج الثقافي الذي يقدمه تلفزيون الكويت فكان من إعداد وتقديم الشاعر الفلسطيني «خالد أبو خالد» وكان يزورني في البصرة بين الحين والحين ونقدم الأماسي الثقافية في البيوت مع الشاعر محمود البريكان والقاص محمود عبد الوهاب والشاعر محمد سعيد الصكار. وكنت أزور الكويت وإلتقي صقر الرشود وعبد العزيز السريع ومحبوب العبد الله في فرقة مسرح الخليج، وقد سجلت لتلفزيون الكويت مسرحية «ضرر التبغ» وكان مخرجها التلفزيوني في تلفزيون الكويت المخرج العراقي خالد أمين. في تلك الأيام كان المطرب عبد الحليم حافظ يسجل أغنية «يا هلي يا هلي يكفي ملامي والعتاب» من ألحان الكويتي عبد الحميد السيد.
أهالي الكويت يقضون الأعياد عندنا في مدينة البصرة الزاهرة الزاهية بألوان الفنون.
عندما زرت البصرة لم أجد كل تلك المعالم ولم أجد بيوت الطرب، بل وجدت العجاب العجب!
لم يبق لنا غير الذاكرة التي تستفزها فينا إيجاباً السيدة الكويتية «منى طالب» في برنامجها «غناوي الشوق» وما جلب إنتباهي أن أغلب مطربي الكويت يعشقون تقديم أغاني «أم كلثوم» وقد سمعت في «غناوي الشوق» أغنية «أنا بانتظارك خليت» كاتب الكلمات التونسي «بيرم» والملحن المصري «زكريا أحمد» بصوت المطربة «أم كلثوم» وبأداء «عوض دوخي» وغيره من المطربين ذوي الأصوات الخليجية .. كل هذه الثقافات الممتزجة في عشق الدنيا لم تكن تعرف حسابات الانتماء ولا حسابات التشظي، تذكرنا بها السيدة الكويتية المرموقة «منى طالب» وبرنامجها «غناوي الشوق» تذكرنا بماض تصر «منى طالب» أن لا تطوى صفحاته الجميلة حتى وأن بقي بهيئة برنامج تلفزيوني يحمل عنوان «غناوي الشوق». كانت حياتنا الثقافية والمعيشية عراقية سعودية كويتية مصرية فلسطينية تونسية، تصدح فيها الألحان، وتسودها المحبة.
شكراً سيدتي الجميلة .. منى طالب، التي لا تطوي صفحات التاريخ الجميل حتى وإن كان ذلك في برنامج تلفزيوني! تضفي على ذلك الماضي حنانها وتشدنا إلى أيامه السعيدة، ولا نقوى على تغيير القناة التلفزيونية حتى ينتهي برنامج «غناوي الشوق» للسيدة منى طالب.