في الساعة 1.53 ظهرا يوم الجمعة 26 أبريل 2013م وصلنا حتى الكيلو 130 في الاتجاه صوب حائل، كان البنزين يوشك على النفاد. نبحث عن محطة وقود للتموين بالبنزين. كان الجو مغبرا قليلا. كانت الجبال تتهادى من حولنا، قرب الطريق وعلى مدى البصر. مررنا بعدة قرى منها: بيضاء تثيلة، وقليب الأطرم، ولكي نصل للطريق العام المسفلت قطعنا أكثر من 57 كم وسط طرق وعرة غرزت فيها السيارة عدة مرات بسبب رمال النفود.
ها هي محطة تلوح على البعد نحن على بعد 200 متر منها، توقفنا للتزود بالبنزين في محطة اسمها محطة «الصباح» بها ورشة مجمع الصباح، وتموينات مجمع الصباح.
بعد أن تزودنا بالبنزين تحركت السيارتان صوب حائل، عبرنا عدة قرى أخرى منها: دليهان، المجفر، النفس، القيعان، الفرسانية، بطحوين، المختلف، موفق. كان الطريق غير مزدوج، وكانت الأرض من حولنا ممتدة منبسطة تزينها نباتات مختلفة أبرزها: «الرمث».
كما كانت الجبال تسير معنا وتلوح لنا من قريب ومن بعيد، فيما الجو مغبر والسماء قطعة كبيرة ملتحمة من الغيمة الرمادية.
من عند قرية «موفق» انعطفنا يسارا إلى جبال «توارن». أصبحت الأرض أكثر خصوبة: نخيل، وأشجار، وشجيرات، ونباتات، يقطعها طريق مسفلت، وبعض الاستراحات.
مررنا ببلدية موفق، وواصلنا السير في اتجاه جبال «توارن» وعبرنا مجموعة من الجبال منها جبل «حلوان» تذكرت على الفور مدينتنا «حلوان» جنوب القاهرة التي لم أشاهدها في حياتي حتى هذه اللحظة.
واصلنا السير على الطريق المسفلت وحولنا الأشجار والنباتات تنفي تماما مقولة: «الصحراء» التي توسم بها جزيرة العرب، فلا صحراء رأينا منذ بداية الرحلة، بل هي: مراعي ومروج وواحات.
وصلنا إلى لوحة وضعتها الهيئة العليا للآثار والسياحة، مكتوب عليها: «توارن - منازل حاتم الطائي» توقفنا قليلا في تقاطع شارع على اليمين حتى تصل السيارة الأخرى.
ما إن وصلت السيارة حتى انطلقنا صوب «توارن» ولكن لم نستدل على الطريق، فالسهم على اللوحة يشير إلى جهة اليمين، فيما إن الطريق كما وصفه لنا عامل هندي يعمل بإحدى الاستراحات هناك، يمضي إلى جهة اليسار.
بعد أن درنا في متاهة صغيرة لعدة دقائق، مضينا في اتجاه «توارن» ومنازل حاتم الطائي في طريق ممتد بين الجبال التي لا تنقطع، طريق ربعه مسفلت وبقيته طريق ترابية، قطعنا 7كم حتى وصلنا إلى أطلال قصر حاتم الطائي الذي تحيطه الجبال من جهات ثلاث.
كان القصر الذي تبقى منه عمود مرتفع وبعض الغرف لا يحوي أية علامات أو مقتنيات سوى لوحة أمامه مكتوب عليها أن هذا أروع مكان أثري متبقي من مدينة «توارن» التاريخية. كان ما تبقى من القصر بعض الغرف، وساحة واسعة، وبعض الجدران المنقرضة الصغيرة، في قصر مساحته 4000 متر مربع تقريبا، وفي الساحة الخلفية للقصر يوجد قبر حاتم الذي توضع عليه بعض الحجارة كإشارة إلى أن هذا مجرد قبر.
لا توجد أية معلومات على جدران القصر أو إشارات لشعر حاتم الطائي، فيما صدمنا بكمية القاذورات والمهملات المرمية في أركان القصر المبنية جدرانه من الطين.
قام د. عيد اليحيى والمصور طارق المطلق وأنا معهم بإزالة بعض المهملات من أمام القصر وإلقائها بعيدا عن مدخل القصر. كان د. عيد ساخطا على هذا الإهمال الذي يلقاه هذا الأثر التاريخي ليس العربي فقط بل والعالمي، حيث بني منذ أكثر من 1600 عام ولا تزال بعض أجزائه باقية. كان د. عيد يردد قول حاتم الطائي:
أوقدْ فإن الليل ليل قرّ
والريح يا موقد ريح صرّ
عسى يرى نارك من يمرّ
إن جلبتْ ضيفا فأنت حرّ
وكان ساخطا على هذا الإهمال للقصر من جانب الهيئة العليا للسياحة والآثار، حيث قال: إن مائة ألف ريال تكفي لتطوير قصر حاتم الطائي الذي اشتهر بكرم الضيافة وتساءل عن ميزانية هيئة السياحة والآثار وأنها ربما تبلغ نحو 500 مليون ريال.
ما رأيته كزائر من إهمال للقصر استثار فيّ «الصحافي» الكامن بعيدا بي، قمت بتصوير بعض مشاهد الإهمال، كما قمت بتصوير جوانب ولقطات من قصر حاتم الطائي من أجل إعداد موضوع صحفي عن هذا الإهمال.
بعد أن تجولنا في قصر حاتم الطائي وشاهدنا الجبال الحاتمية التي كان يوقد عليها النار ليستهدي بها الضيوف، شاهدنا البئر القديمة المغطاة بإطارات سيارات قديمة - كزيادة في الإهمال-.
ركبنا السيارتين، وذهبنا للبحث عن فندق للمبيت فيه، وجدنا أجنحة يعرفها د. عيد اليحيى وبات فيها من قبل هي: «أجنحة برلنت المفروشة» حجزنا غرفتين متجاورتين مفتوحتين على بعضهما البعض، وضعنا ملابسنا وأغراضنا. على الفور أخذت حماما ساخنا بعدها تناولنا جميعا طعام العشاء حيث اتصل حمد الرشيد تليفونيا بأحد المطاعم الذي أتى لنا بلحم إبل (حاشي) وأرز، وعلى الرغم من أنني لا أحب مثل هذا النوع من اللحوم، أكلت قليلا، ثم بعد نصف ساعة ذهبت للنوم. كانت الساعة الثامنة مساء، واستيقظت في الواحدة والنصف ليلا، تصفحت الموبايل وجدت مكالمات ورسائل، منها رسالة تفيد بأن السبت 27 إبريل 2013م إجازة بمدارس الرياض بسبب الأحوال الجوية، اتصلت بزوجتي في الرياض وأخبرتها بأن السبت إجازة. كما أرسلت لأحمد فتحي شقيق الزوجة رسالة بهذا الشأن. في الساعة الثانية ليلا قمت بنقل بعض الصور من الكاميرا إلى اللاب توب، وكتبت موضوعا صحفيا عن قصر توارن ومنازل حاتم الطائي عنونته بـ: «حاتم الطائي يشرب الحليب والعصيرات ويدخن المارلبورو» الساعة الآن. 3.47 من صباح السبت 27 إبريل 2013م. سأتوقف عن الكتابة الآن. لأقرأ في أسئلتي الذاتية وربما الشعرية أيضا.
- عبد الله السمطي