د.عبدالرحيم محمود جاموس
منذ حسم حركة حماس العسكري صيف العام 2007م وفرض سيطرتها المطلقة والمنفردة على قطاع غزة، والشعب الفلسطيني في كل أماكن تواجده ينتظر وضع حدٍ لحالة الانقسام الذي فرضها هذا الحسم/ الانقلاب، الذي اكتوى الشعب الفلسطيني وقضيته ومشروعه الوطني بنواتجه الكارثية، واستثمره الكيان الصهيوني كما قوى إقليمية وعربية دولاً وأحزاباً، استثماراً سياسياً وعسكرياً كلف الشعب الفلسطيني أثمانا باهظة سياسية ومادية وبشرية، بل ونفسية، يصعب علاجها، وتحمل نتائجها، في ظل أوضاع عربية متردية، ازدادت سوءاً مع النتائج الكارثية للربيع العربي، على المستوى العربي، وعلى المستوى الفلسطيني، ومستقبل الصراع العربي الإسرائيلي، وإخفاق جهود التسوية السياسية التي شرعها مؤتمر مدريد للسلام في أكتوبر 1991م.
لقد أُخِذَ الشعب الفلسطيني برمته وليس في قطاع غزة فقط، رهينة لحسابات قوى الانقسام، وفي مقدمتها جماعة الإخوان المسلمين التي تنتمي إليها حركة حماس، كما الكيان الصهيوني الذي تمكن من شن حروب مدمرة على قطاع غزة وتصعيد سياساته الإجرامية في حق الشعب الفلسطيني، وإطلاق العنان لسياسات الحصار والاستيطان والمصادرة والتهويد، في القدس وفي أنحاء الضفة الغربية المختلفة، فارضاً واقعاً ديمغرافياً واقتصادياً وعسكرياً وسياسياً يحول دون إمكان تحقيق أي شكل من أشكال التسوية السياسية، التي تؤدي إلى إنهاء الاحتلال وتنفيذ حلّ الدولتين.
ومنذ صيف العام 2007م وإلى الآن جرت المحاولات الفلسطينية والعربية وغيرها لوأد الانقسام الفلسطيني واستعادة الوحدة السياسية للكيانية الفلسطينية، إلا أنها باءت جميعها بالفشل، إلى درجة لم يعد معها الشعب الفلسطيني يكترث بما يجري من حوارات، كانت هنا أو هناك، لأن النتيجة باتت معروفة، وهي الفشل في إلغاء ما أحدثه حسم/ انقلاب حماس للعام 2007م، لأن حركة حماس جزء لا يتجزأ من جماعة الإخوان المسلمين الدولية، وجزء من شبكة تحالفاتها الإقليمية والدولية، وترهن مواقفها ليس للصالح الوطني الفلسطيني، وإنما لتلك الجماعة وأيديولوجيتها السياسية والثقافية والدينية، وتراهن على عامل الزمن الذي قد يؤدي إلى إحداث جملة من المتغيرات السياسية والعسكرية على مستوى المنطقة تؤدي إلى تمكينها من تكريس نتائج حسمها العسكري، وفرضه على كل الحالة الوطنية الفلسطينية، وتصبح اللاعب الوحيد على الساحة الفلسطينية مدعومة بشبكة تحالفاتها الحزبية والإقليمية والدولية، رغم العجز والفشل الذي يعانيه حكم حركة حماس لقطاع غزة، والذي بات مرفوضاً من جماهير قطاع غزة باستثناء الفئات المستفيدة مادياً وأيديولوجياً من هذا الوضع السياسي والاقتصادي الذي تمخض عن حالة الانقسام، فإن عامل الزمن، يفعل فعله السلبي تجاه تحقيق المصالحة الفلسطينية، بل يؤدي إلى تكريس حالة الانقسام وإضعاف الكيانية الوطنية الفلسطينية التي مثلتها منظمة التحرير الفلسطينية وفصائلها الوطنية وسلطتها الفلسطينية التي أنشأها إتفاق أوسلو..!، وهذا هو رهان حركة حماس وجماعتها الإخوانية والقوى الإقليمية والدولية المتحالفة معها، كما بات يمثل الرهان الرئيس للكيان الصهيوني وحكومته اليمينية المتطرفة، في الإفلات من أي حالة ضغط إقليمي أو دولي تؤدي إلى إنجاز المشروع الوطني الفلسطيني بحده الأدنى ممثلاً بإقامة دولة فلسطين مستقلة على حدود الرابع من حزيران وعاصمتها القدس، وحل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين.
إذن لابد من وضع خط زمني محدد لإنجاز المصالحة الفلسطينية، ويجب على م.ت.ف وفصائلها وفي مقدمتها حركة فتح التي مثلت ولازالت تمثل روح الحركة الوطنية الفلسطينية وعمودها الفقري، إتخاذ زمام المبادرة في إعادة البناء الذاتي وتصليب البنى والمؤسسات الوطنية من المستوى الفصائلي إلى مؤسسات م.ت.ف وسلطتها الوطنية، دون ربط لذلك، مع إنجاز المصالحة المستحيلة مع حركة حماس، التي لا تؤمن أصلاً بالوطنية الفلسطينية ولا بمشروعها الوطني شأنها شأن بقية فصائل جماعة الإخوان المسلمين المنتشرة في مختلف الدول العربية والإسلامية، والتي تنكر على الدولة حقها في الأمن والاستقرار كما حقها في الوجود، انطلاقاً من رؤيتها الأيديولوجية السياسوية الإسلاموية، التي تقوم على أساس إعادة بناء وإصلاح المجتمع، التي لا ترى في أي شكل من أشكال الحداثة التي تطمح إليها المجتمعات إلا مجرد فساد وإفساد وابتعاد عن العقيدة، والتأسيس لدولة الخلافة الإسلامية الجامعة التي تختزل كافة الدول الإسلامية في دولة واحدة، ومن ثم التسيد على العالم وحينها يتم تحرير فلسطين وبقية البلاد الإسلامية، وعندها فقط تنجز المصالحة الفلسطينية..!!!