د.عبدالرحيم محمود جاموس
لا أعرف ماذا يجري في العقل العربي، لقد صدمت هذا الصباح في قراءة عددٍ من المقالات السياسية، لكتبة الأعمدة الصحفية في الصحافة العربية، ولكُتاب يصنفون من الدرجة الأولى، دون ذكر للأسماء، قد جانبهم الصواب في مقالاتهم المعبرة عن آرائهم في فهم ما يجرِي على الأرض العربية من الكويت إلى المغرب، مروراً بالنقاط المتفجرة والملتهبة من البحرين إلى الكويت إلى العراق إلى سوريا ولبنان وفلسطين غزة وفلسطين القدس والضفة، وليبيا وتونس والسودان والمغرب وصحرائه، وصولاً إلى مصر، لقد تاهت البوصلة، وحادت عن التأشير إلى جادة الصواب، ووضع اليد على مكمن الخلل والوجع في الرأس العربي قبل أن يصل إلى الجسد الممتد من المحيط إلى الخليج، صورة سوداوية تغطي هذه المساحة الكبيرة تثقب العيون وتزكم الأنوف، وتشل التفكير، ويعجز العقل العربي أمامها عن تحديد الإشكاليات والأولويات، التي تهم الإنسان العربي الذي يدفع فاتورة هذه الحالة السوداء التي يمر بها الواقع العربي، تشريداً، ورعباً ورهباً، وعدم استقرار، بل قتلاً سريعاً أو موتاً بطيئاً، والنتيجة واحدة، فوضى تتنامى يوماً بعد يوم، وفاتورتها تزداد كلفة يوماً بعد يوم، وما على المواطن العربي البسيط الذي يسعى لتأمين رزقه ولقمة عيشه إلا أن يدفع فاتورة هذه الفوضى وفاتورة هذه الحروب المشتعلة هنا وهناك، من حياته ومستقبله ومستقبل أبنائه الذي بات تحت رحمة هذه الفوضى، فلا مستقبل مبشر بخير، ولا أمل بالخروج من هذه الدوامة، إلا بيقظة العقل العربي وخروجه من حالة الفوضى والتوهان والاقتتال، ووقف هذه الصراعات الداخلية التي ستكون نتيجتها هزيمة الجميع ولن يكون فيها منتصر سوى طرف وحيد، هو عدو هذا المواطن والوطن والأمة، هل يدرك العقل العربي أنه أصبح موظفاً ضد نفسه وجسده ووطنه، وأن أعلى أشكال المؤامرة على الذات تأتي من غياب الوعي والعقل، فما بالك عندما ينقسم هذا العقل على نفسه، ويتحول إلى شظايا ومزق متناثرة ومتناحرة في حروب ذاتية داخلية أضفى عليها طابع القداسة كي يمنحها وقود الاستمرار في الخراب والدمار والقضاء على الذات، نعم، لا أعتقد أن أمة تنتمي للعروبة والإسلام الحنيف قد مرّت في تاريخها الممتد لأكثر من ألف وأربعمائة عام، قد مرّت بمثل هذه المهزلة والضياع الذي تمرُّ به اليوم.
إن العقل الذي لا يدرك قيمة الإنسان كإنسان، ولا يدرك قيمة الوطن ووحدته، ولا يدرك قيمة الانتماء لعقيدته وإلى أمته أو إلى الجماعة البشرية هو عقل خرب وفاسد وعدو نفسه وجسده، نعم، المشكلة هي في العقل والوعي لدى الإنسان العربي، ومن هنا تبدأ مواجهة ما يمرّ به الإنسان والمواطن والوطن في البلاد العربية، حتى يتمكن من قراءة ذاته وواقعه، وتبدأ المواجهة من الذات وتصحيح وضعها وانتمائها ووضع نفسه في المكان والموقف الصحيح من جملة الإشكاليات التي يعانيها كفرد وكمجتمع وكدولة أو وطن، وكأمة.
لقد آن لهذا العقل العربي أن يصحو من غفوته، وأن يسترد نفسه من غيه وغيابه وضياعه، وأن يبدأ رحلة السلام مع ذاته أولاً، ثم مع الواقع ومع الآخر، وأن يحدد أولوياته وإشكالاته ووضع الحلول لها على أساس تحقيق الذات من خلال تحقيق الكل الوطني والجمعي، في إطار يقوم على أساس احترام الذات والحرص عليها قبل أن يطالب الآخر باحترامه والحرص عليه، وإقامة تسويات داخلية توحيدية، تنقذه من حالة الفوضى والتوهان، والتمزق والتشرذم، وتدفع الآخر لاحترامه وإقامة علاقات وتفاعل معه على أساس الاحترام المتبادل، وتحقيق المصالح المشتركة، بعيداً عن علاقات الهيمنة والنفوذ والدونية، التي يحاول الآخر أن يفرضها عليه، أتمنى ذلك أن يكون قريباً.