حققت الزيارة التي قام بها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز - يحفظه الله - إلى القاهرة نتائج مهمة على محتلف الصُّعد والذي كتمت له أرض الكنانة أنفاسها في الأيام الأخيرة، ارتقاباً لوصول طال انتظاره من الشعب المصري العاشق للمملكة العربية السعودية التي لطالما ساندته في محنه، وللملك سلمان بن عبد العزيز القائد الشجاع، الذي أثبت بقراراته الحكيمة والحازمة أن أمن الوطن العربي لا يقل شأناً في أهميته عن أمن وسلامة المملكة العربية السعودية.
ورصدت الدوائر السياسية تاريخ العلاقات بين المملكة العربية السعودية ومصر، وقالت إن الزيارة شهدت الاجتماع السادس لمجلس التنسيق المصري - السعودي برئاسة الزعيمين، فضلاً عن أن «زيارة الملك سلمان - رعاه الله - جاءت كأبلغ رد على المشككين في العلاقات بين البلدين، وألجمت الموتورين الذين يزعمون وجود خلافات بين القاهرة والرياض، وتؤكد على قوة ومتانة العلاقات المصرية - السعودية، سواء على المستوى الرسمي أو الشعبي».
هذه الزيارة تكتسب أهمية بالغة في خضم التحولات التي تمر بها المنطقة العربية بصفة عامة، والنظام الإقليمي العربي بصفة خاصة، وتبرز زيارة خادم الحرمين الملك سلمان إلى مصر المصير المشترك للبلدين، وتؤكد «إستراتيجية» كما قال المسؤولون في البلدين عمق العلاقات الثنائية والتلاقي في مواجهة المخاطر القادمة من الإقليم، بما يستلزم توافق الرؤى والأهداف ويضمن تعزيز التعاون الإستراتيجي، والاقتصادي، والعسكري ويوحد الجهود لمجابهة ما تتعرض له منطقة الشرق الأوسط من مؤامرة كبيرة من قِبل القوى الدولية والإقليمية.
والزيارة التاريخية لجلالته تحمل رسالة الشراكة بين القاهرة والرياض لمختلف الأطراف في الإقليم، وأنها تُعد حجر أساس في أي تشكيل إقليمي جديد في الشرق الأوسط، حيث تمثّل الشراكة المصرية - السعودية ركيزة القوة والأمن والاستقرار في المنطقة.
وقد أكد على هذا المعنى الراحل الملك عبد العزيز آل سعود في توضيح الأهمية الإستراتيجية للعلاقات المصرية - السعودية بمقولته الشهيرة «لا غنى للعرب عن مصر - ولا غنى لمصر عن العرب».
وأكدها أيضاً الرئيس عبد الفتاح السيسي، قائلاً: «إن العلاقة بين مصر والسعودية تُعد أساساً للأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، وإن المسؤولين في البلدين مدركون لهذا الأمر المستقر والمتفق عليه منذ عهد الملك عبد العزيز آل سعود، رحمه الله، الذي أدرك بحسه الإستراتيجي أهمية وضرورة دعم هذا التوجه».
ومن هنا تُعتبر العلاقات بين القاهرة والرياض الأكثر كثافة على المستوى الاقتصادي والسياسي، ما وضعها في عداد العلاقات الحيوية وذات صبغة إستراتيجية، خصوصاً أن الدولتين تتفقان حول مجموعة من القواعد الأساسية والمبادئ الحاكمة لعدد كبير من القضايا، كما أن اهتمام الجانبين دوماً هو الحفاظ على أمن وسلامة المنطقة.
وتتميز العلاقات بين مصر والسعودية بالرسوخ والثبات، وبجذورها الضاربة في أعماق التاريخ، وتجلى ذلك منذ توقيع معاهدة الصداقة بين البلدين عام 1926، إذ أيدت السعودية مطالب مصر الوطنية في جلاء القوات البريطانية عن الأراضي المصرية ووقفت إلى جانبها في الجامعة العربية والأمم المتحدة وجميع المحافل الدولية، وفي 27 أكتوبر عام 1955 تم توقيع اتفاقية دفاع مشترك بين البلدين.
والواقع أن زيارة جلالة الملك سلمان - يحفظه الله - ومحادثاته مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي كانت مهمة لأنها تضخ استثمارات جديدة في شرايين الاقتصاد المصري حيث تُعد «السعودية أكبر دولة عربية مستثمرة في مصر، وتبلغ قيمة الاستثمارات السعودية في مصر حوالي 6 مليارات دولار تمثّل نحو 30% من إجمالي استثمارات الدول العربية».. خصوصاً أن الزعيمين شهدا توقيع مذكرات تفاهم تتضمن مشروعاً مشتركاً لتنمية سيناء باستثمارات قيمتها 10 مليارات جنيه ومشروع إنشاء ميناء جاف بالإسماعيلية بقيمة 1،5 مليار جنيه كما يتم توقيع مذكرتي تفاهم لتأسيس شركتين سعوديتين باستثمارات تتجاوز ملياري جنيه».. فضلاً عن أن اللجنة المُشكّلة من وزارة الدفاع المصرية وهيئة الرقابة الإدارية ووزارة الاستثمار في البلاد نجحت في حل مشكلات أربع من كبار المستثمرين السعوديين في مصر، وذلك قبل زيارة الملك سلمان في خطوة جادة تؤكد حرص مصر على جذب المزيد من الاستثمارات السعودية.
ولا شك أن المحادثات أبرزت العمق التاريخي للعلاقات بين المملكة العربية السعودية ومصر منذ فترة مؤسس المملكة المغفور له - بإذن الله - الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود.. روح واحدة في جسدين.
وقد أفردت الصحف المصرية عدداً كبيراً من المقالات والتقارير استعرضت فيها مدى أهمية الترابط والتآخي بين البلدين الشقيقين وأهمية الزيارة في هذا الوقت العصيب الذي يمر به الاقتصاد المصري وتأثيرها المباشر على تسيير عجلة الاستثمار والتنمية المصرية إلى الأمام وتشجيع السياحية العربية في مصر.
هذا، وقد استعرضت الصحف المصرية في مقالاتها تاريخ العلاقات بين البلدين بدءاً من الملك المؤسس عبد العزيز - رحمه الله - إلى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز - كذلك العلاقات المصرية - الخليجية وأهميتها الاقتصادية للمنطقة العربية بأكملها، وسبل تدشين عهد جديد من الشراكة الإستراتيجية بين القاهرة والرياض، كذلك جانب من التاريخ السياسي والاقتصادي بين البلدين وسبل التعاون والتكامل بين البلدين الشقيقين، ومظاهر الاستعداد الرسمي والشعبي لاستقبال جلالة الملك سلمان بن عبد العزيز - والعالم ترقب باهتمام قمة السيسي - سلمان، لا سيما استعراضهما مظاهر التعاون العسكري بين البلدين من أجل الاستقرار في الشرق الأوسط كما في عاصفة الحزم ورعد الشمال.
ومن الواضح أن الاتفاقات التي تم توقيعها بين مصر والمملكة العربية السعودية وصلت إلى 24 اتفاقية ومذكرة تفاهم خلال زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، كما استعرضت العلاقات بين القاهرة والرياض التي شهدت قفزة في عهد جلالته نحو تطور العلاقات السياسية والاقتصادية بين المملكة العربية السعودية ومصر، في مختلف المجالات.
والواقع أن زيارة خادم الحرمين الشريفين إلى القاهرة تُعتبر «كرتاً أحمر من الملك سلمان ضد المتآمرين»، فضلاً عن أن زيارة خادم الحرمين - حفظه الله - لمصر ستعطي دفعة قوية لحركة الاستثمار ومحاربة داعش الإرهابية وتطوير العمل العربي المشترك وحل القضايا العربية الراهنة وإبعاد الخطر الإيراني عن المنطقة الذي يسهم في دعم الحوثيين والمخلوع علي عبد الله الصالح في توتير الأجواء وإيجاد القلاقل في المنطقة وخلق المزيد من أحلام إيران التوسعية في المنطقة، وهو ما ترفضه المملكة العربية السعودية والدول المتحالفة ضد الإرهاب.
بقلم/ عبد الله محمد القاق - رئيس تحرير سلوان الإخبارية الأردنية