أتابع ما ينشر على في صفحات الجزيرة يومياً من مواضيع تختص بالأسرة حيث تعتبر هي المؤسسة التربوية الأولى التي يتلقى فيها المسلم قيمه وأخلاقه، ويأخذ منها ثقافة المجتمع وتقاليده، ومن خلالها يتحمل مسؤولياته الاجتماعية، ولأن الأسرة هي اللبنة الأولى في هذا المجتمع فإنها تشكل المخزون الإستراتيجي الذي به تقوى الأمة ويتماسك المجتمع، فالأسرة هي الحلقة الوسطى بين الفرد والمجتمع، وبصلاحها ينصلح «الفرد والمجتمع».
وتكتسب الأسرة هذه الأهمية كونها تشكل نظاماً اجتماعياً يعتمد على قوامة الرجل وتربية المرأة، وبين شخصية الأب ورحمة الأم، وبين عطف الأخ ورأفة الأخت، وكلما كانت عناصر الحب مكتملة كانت الأسرة أكثر تماسكاً والتئاماً، وكانت انعكاساتها أكثر إيجابية على المجتمع.
والمتابع لأحوال الأسرة في المجتمع المعاصر يجد أنه قد أصابها الكثير من الأمراض التي ينبغي معالجتها والوقاية منها، فبدءاً بالحياة المادية التي التهى الناس بها، وأصبحت شغلهم الشاغل، ومقياس سعادتهم ومصدر همهم، ومروراً بتقنيات العصر ووسائل الاتصال وشبكات التواصل الاجتماعي وما أفرزتها من آثار سلبية اعترت الأخلاق والقيم، وقطعت التواصل بين أفراد الأسرة الواحدة فأصبح كل فرد في عالمه بين شاشته وجهازه لا ينفك عنه إلا بانقطاع الاتصال، فأضحى الأب يبحث عمن يساعده في تلبية ضرورات الحياة، وصارت الأم تبحث عمن يهتم بها ويتحدث معها، أو حتى من يتصدق عليها بابتسامة تمسح من خلالها دموع النكران وآلام الحرمان، والله المستعان، وانتهاءً بقضايا الشباب الذين اصطادتهم الكلمات المنمقة، وجمل الحب المزيفة نتيجة الحرمان العاطفي، والحب النرجسي، فأصبحوا بلا أهداف، وأمسوا بلا أخلاق، إمعة؛ يقلدون من يحبونهم، ويتشاكسون مع من يخالفونهم.
وهذا ليس بالعموم، ففي شباب أمتنا من سخره الله لخدمة الدين والوطن، وجعله مفاتيح للخير والبر وخدمة المجتمع، وكم من الموهوبين ومفكري المستقبل من فتياننا وفتياتنا الذين رفعوا رؤوسنا بمواهبهم واختراعاتهم، وأصبحنا نفتخر ولله الحمد بإسهاماتهم وإنجازاتهم، وفي مجتمعنا من القادة والمربين من نقف لهم إجلالاً، ونقبل رؤوسهم احتراماً وتقديراً، ونزاحمهم على الركب حتى ننال من معين علمهم ونرتشف من ينبوع معارفهم.
إنني من هذا المنبر أوجه الدعوة للعلماء والمفكرين والمختصين بقضايا الأسرة والمجتمع أن يقفوا وقفة صادقة لحماية الأسرة ومعالجة الأمراض التي أصابتها، والأسقام التي اعترتها، حتى لا تتصدع الجدران و ينهدم الكيان وينخلع صمام الأمان، ولكي تعود الأسرة إلى إنتاج جيل يسمو بفكره، ويرتقي بخلقه، ويعلو بعلمه، معتصم بالوحي، متسلح بالمعرفة، مطيع لولاة أمره.
نجوى الأحمد - الرياض