الفكر المتطرف يسري كالسم الزعاف في جسد الأمة، ويأخذ من أطرافها على غرة وحين غدرة، فينشأ في حواضن مظلمة ساهمت (العولمة) في تهيئتها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتحت أسماء مستعارة أو أسماء صريحة لا يخفى خبثها وكيدها للإسلام، وإن تدثرت بشيء من ظواهر النصوص الشرعية، فإن مكرها ما كان ليبلغ في الأحداث ما بلغ لولا السرية التي تحيط بتلك الحواضن والوسائل الاجتماعية بغرض تجنيدهم للفتك بدماء المسلمين، ومعظم أولياء أمور هؤلاء الأحداث لا يعلمون كيف سلبت عقول أبنائهم ولا متى تعلقت بأذهانهم لوثة التطرف حتى أفاقوا على فاجعة لا عزاء لها، ولا مدرك لغورها في القلوب جراحاً وألماً وكمداً، فهذا الأب قد عظمت آماله بابنه الشاب، ليكون في سلك الأطباء، والآخر في سلك المهندسين، والثالث في مجال يفخر به من تلك المجالات التي تبني ولا تهدم، تشيد ولا تهلك، تعلي ولا تخزي، ترفع ولا تضع.. فإذا به يخسر فلذة كبده، وثمرة فؤاده، مجرماً مطلوباً للجهات الأمنية، تتناقل قنوات الأخبار عدد ضحاياه، وصورته القبيحة، في مشهد يجعل الحليم حيرانا، والحكيم في غياهب الغبن والحسرة صريعاً، تتلاطم به أمواج الندم،وأسئلة الذهول الثلاثة: (كيف ومتى ولماذا حدث ما حدث؟!).
تلك الجمرة الخبيثة لم تكن نائية عن بناتنا كما لم تكن نائية عن شبابنا حيث كانوا شركاء في ارتياد حواضن الفكر المنحرف في غياهب وظلمات وسائل التواصل الاجتماعي (الإنترنت)، فخرجت من لا يعلم أهلها عنها شيئاً عدة أشهر لتظهر وقد أرسلت رسالة نصية لذويها لتخبرهم بهجرتها إلى حيث المجهول لا تلوي على أحد، أو تظهر قتيلة في مواجهة مع رجال الأمن وهي تحمل السلاح في وجوههم (!!) وثالثة قادت أطفالها عبر طرق التهريب إلى ما تزعم أنها أرض (الهجرة)، لا يدرون ما ينتظرهم من الجوع والتشرد والتجهيل، وقد كانوا في أمن ورغد من العيش وبحبوحة من الأنس بالأهل وعذوبة المرح في سني الطفولة، وتهذيب الصغر في التعليم المجاني.
لا غرو اليوم أننا نواجه غزواً شرساً يستدعي منا الذود عن حمانا بالغالي والنفيس، وحماية مجتمعنا ووسطيتنا وديننا بكل وسيلة، ومن كل ثغر، فلئن أُتينا من قبل الفكر والشبهة فإننا -بحول الله- قد بنينا من صروح العلم والجامعات ما يؤسس للفكر النير الثابت بالقول الثابت والحجة والبرهان ما نحن معه في قوة للحوار والإقناع وكشف الزيف وفضح التحريف للمبادئ وللنصوص الشرعية التي عبثت عقول الجهل في أحكامها ودلالاتها مستغلين فئة من الشباب والشابات حدثاء الأسنان، تغلب عواطفُهم عقولَهم، وطيشهم رويتَهم، وليس لهم من الخبرة والدراية ما يبصرون به ما خبئ عنهم ودفن لهم.. ولعلي في مناسبة قادمة أستعرض أبرز شبهات هذا الغزو الفكري والرد عليها بمشيئة الله تعالى.
د. الخامسة بنت صالح العيد - عضو هيئة التدريس في كلية التربية بحائل