الصورة الأولى: تستخدم كلمة «سنة» في القرآن عندما يراد إظهار الشح والبخل والفاقة. لكن كلمة «عام» تستخدم في إظهار الخير والراحة. قال تعالى: {قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّا تَأْكُلُونَ} فوصف الرب سبحانه صعوبة هذه الفترة «بالسنين» لكنه وصف سبحانه فترة الخير والرخاء «بالعام» فقال سبحانه: {ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُون}، وقال سبحانه في موضع آخر: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ}، فوصف الله سبحانه أن نبينا نوح كان في دعوة قومه تسعمائة وخمسين «سنة» وقومه يكذبونه ويعرضون عنه. لكنه وصف الخمسين المتبقية «بالعام» لما فيها من الراحة من هؤلاء القوم الظالمين.
الصورة الثانية: هناك فرق خفي بين كلمتي «السهل» و»اليسير» يغيب عنها كثير من الناس. «فالسهل» هو ما كان مقدورا عليه عند عامة الناس. ومثال ذلك إنه مشهور عند الناس سهولة أن يجنوا عشرة ريالات من المتاجرة بمائة ريال. والسهولة لا تعني أن كل أحد يستطيع فعل ذلك، فليس كل شخص يستطيع بيع أعواد الأراك مع سهولتها وبساطتها، حيث إن هناك أمورا فنية كثيرة لا يعلمها إلا من تخصص في هذه المهنة من كيفية تخزينها وحفظها وتسويقها. ولذلك حثنا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أن نسأل الله أن يسهل أمورنا ففي الحديث الصحيح «اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا، فأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلاً».
أما «اليسير» فهو ميسور بأمر الله وتسخيره. ومن ذلك تيسير القرآن الكريم للعربي والأعجمي قراءة وحفظا قال تعالى: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ}، مع الأخذ بالاعتبار أن اللغة العربية هي أفخم اللغات وأبلغها لكنها صعبة جدا لمن أراد أن يتعلمها من غير الناطقين بها. والقرآن هو ذروة هذه اللغة وسنامها ومع ذلك فهو ميسور بتيسير الله له.
الصورة الثالثة: قال تعالى: {وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}، وقال تعالى: {وَاللهُ جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ بِسَاطاً}، وأمثلة كثيرة في كتاب الله على استخدام كلمة « جعل « في القرآن الكريم.
فبين الله سبحانه وتعالى أن الإنسان خرج من بطن أمه لا يفقه ولا يعلم شيئاً. لكن الله «جعل» له الأدوات التي تعينه على العلم وهي السمع والإبصار والعقل. «فالجعل» دائماً يأتي على أصل موجود. فالله سبحانه «جعل» السمع والإبصار والأفئدة بعد أن «خلق» الإنسان. وفي الآية الأخرى فالله جل جلاله جعل الأرض بساطا أي تسخيراً بعد أن «خلق» الأرض في المقام الأول. فالثوب مثلا لا يكون ثوبا إلا إذا وجد الإنسان الذي يلبسه، لكن إذا لم يوجد هذا الأصل أصبح هذا الثوب قطعة قماش حتى وإن كان مفصلاً، فالإنسان هو الأصل الذي جعل هذه الخرقة تكون ثوبا. إذاً فهناك فرق بين كلمتي «خلق» و»جعل»، فالثانية لا تكون إلا بعد وجود الأولى.
إبراهيم الأخضر بن علي القيّم - شيخ القراء بالمسجد النبوي