م. فيصل بن فهد البكران
امتدادا للمقال السابق الذي أشرت فيه إلى القيمة المالية العالية المهدرة على مشروعات متعثرة .. وأهمية إنشاء هيئة وطنية للمشروعات لتسد الفجوة الحاصلة بعد إلغاء وزارة الأشغال العامة.
سأتناول في هذا الجزء الحديث عن ذراع الدولة في مجال المقاولات وهو امتداد للهيئة الوطنية للمشروعات.
لقد شهدت المملكة خلال العقدين الأخيرين نهضة وثابة في مختلف المجالات عمرانية كانت أو تعليمية أو صحية أو مواصلات وغيرها.
هذه الطفرة لم يجاريها نهوض في العمل المؤسسي للشركات - أعني شركات المقاولات- ما أدى إلى هذه التعثرات وتراكم الحقوق والديون والقروض، فلا المشروع نُفِّذ ولا سَلِم المقاول من التبعات! لقد جاءت حادثة سقوط الرافعة على جزء من توسعة الحرم المكي الشريف موسم الحج الماضي لتنيط اللثام عن مشكلة احتكار بعض الشركات الخاصة المغلقة لكبرى المشروعات التنموية والهامة في الوطن، دون مرورها على جهة إشرافية هندسية عالية المستوى! وقد أدى احتكار هوامير الشركات على الحصة الأكبر من كعكة المشروعات لنشوء كثير من السلبيات مع بعض الإيجابيات.
.
وربما كانت مرحلة زمنية معينة وانتهت؛ بتنوع المناخ الاقتصادي والنمو الكبير الذي تعيشه المملكة حاليا، ما ليس في قدرة شركات خاصة مسايرته والوفاء بمتطلباته.
حيث اتضح أن معظم المشروعات المدنية الكبرى قُسّمت إلى عدة عقود من قبل المنفذ الرئيس ثم بِيع كل منها إلى منفذين آخرين، وذلك لا خطأ فيه قانونيا.
ولكن تأتي تبعات خطيرة لهذا القرار يتحمله الوطن والمواطن، حيث تفتقد كثير من الشركات الوطنية القدرة والكفاءة لإنجاز المشروعات المسندة لها بسبب قلة خبرتها أو سوء إدارتها أو سوء تقديراتها الاستراتيجية للمشروع، أو حتى معوقات الحصول على العمالة اللازمة! وهنا الضحية المواطن وقبل ذلك البلد وعجلة التنمية فيه.
هذه الخسائر والمتعثرات الحاصلة في مشروعات الدولة تحتاج إلى إنشاء ذراع وطني للمقاولات ذي قدرة على تنفيذ أصعب المشروعات بمكتسبات إيجابية للوطن والمواطن.
ولنا في تجربة شركة سابك خير مثال في مجال البتروكيماويات تحت إشراف الهيئة الملكية للجبيل وينبع.
من هنا نبعت فكرة تأسيس شركة المقاولات - المقترحة - «الشركة الوطنية للمقاولات» لما تحتويه من إيجابيات كثيرة منها: - تخصيصها بطرح 70 % من أسهمها للمواطنين وما يتبقى لصندوق الدولة للاستثمارات.
- مشاركة المواطنين ومساهمتهم في إقامة المشروعات الكبرى مثل توسعة الحرمين الشريفين وفي ذلك أجر أخروي ومكسب دنيوي.
- حصر الإنشاءات الأمنية والاستراتيجية كالمطارات والقواعد العسكرية عليها كناحية أمنية.
- حصول هذه الشركة على الدعم المتوقع من الدولة في موضوع العمالة الفنية بأيسر الطرق.
- فتح فرص كبيرة للمواطنين للعمل بها.
- استيعاب آلاف الخريجين والمهندسين للعمل بالشركة والنهوض بها.
- فتح فروع لها في مختلف مناطق المملكة للإيفاء بمتطلبات التنمية في تلك المناطق.
- الوصول إلى المنافسة عالمياً بتحقيق نجاحها داخلياً.
- تكليف الشركة ببناء مشروعات وزارة الاسكان بأنسب الأسعار وبجودة عالية، عوضا عن التعاقد مع شركات أجنبية.
- هذه الشركة ستكون قادرة على تأسيس شركات منبثقة عنها في مجالات التطوير الإنشائي وأعمال الكهرباء ومواد البناء الأخرى وفق المواصفات العالمية، بل إنها ستسعى إلى تشجيع الابتكارات في مجال البناء الاقتصادي من حيث الجودة والسرعة والتكلفة، ولنا أسوة ناجحة في بعض الدول المتقدمة في مجال البناء والتشييد مثل الصين وماليزيا وكوريا وغيرها.
وسأورد - هنا - أنموذجا ناجحا وبتفوق باهر لشركة المقاولات الصينية، المملوكة من قبل الحكومة الصينية (CSCEC /China State Construction Engineering Corporation) التي أثبتت نفسها في السوق العالمي لحظة انطلاق عملها دوليا عام 1999م لتتصدر أولى مراتب أكبر الشركات الهندسية والعقارية في العالم عام 2012 م بدخل سنوي يبلغ 90 مليار دولار.
ووفقاً لمجلة : «The Economist» في مقال بعنوان (Builders Wall Great) بتاريخ (27-10-2012 م)، فإن الحكومة الصينية هي المسيطرة على هذه الشركة، حيث حصلت على الكثير من الدعم المادي من البنك المركزي الصيني، إضافة لكسبها المزيد من المال عبر طرح أسهمها في سوق هونج كونج وشانجهاي.
ولنعود بالذاكرة قليلا، ونتذكر ما قاله معالي وزير الإسكان الأستاذ ماجد الحقيل في مؤتمره الشهير حول أزمة الفكر والثقافة التي تستولي على المواطن السعودي في مجال البناء والإسكان، ونوقد من هذا التصريح شمعة تضيء لنا دروب التنمية، لو نظرنا لها من زاوية أخرى مجردة.
كيف ذلك؟ هنا - للأسف - اعتدنا على ثقافة متوارثة في مجال البناء والتشييد المسلح من خرسانة وحديد وطوب لم يتغير منذ نهضة هذه الدولة المباركة في عصرها الحاضر.
.
! لماذا لا نبحث في البدائل المنافسة التي تقوم بهذه الصناعة - صناعة المقاولات- وفيها توفير للجهد والوقت والمال ؟ إن الشركة الوطنية للمقاولات - المقترحة، وما يتفرع منها من شركات تابعة وامتداد لها- ستعمل على توفير كل المواد اللازمة للإنشاء، من مواد رخيصة الثمن وعالية الجودة وبأسرع مما نتصور! وسنلحظ انتشار المصانع الخاصة بمواد الكهرباء والسباكة والحديد والطوب والعوازل والزجاج وغيرها الكثير.
ربما يطرح أحد القراء اعتراضا على الفكرة كونها ستشجع الاحتكار وأن الشركة الوطنية ستستحوذ على جميع المشروعات الكبرى ولن يبقى لهذه الشركات - الخاصة - ما تعيش منه وبالتالي الإفلاس ! فأجيبه.
.
إن الفكرة لن تكون حكرا على الشركة الوطنية، فَسُوق المقاولات كبير، وتعاون الشركات الخاصة - بعد تصنيفها وتقييمها من الهيئة الوطنية للمشروعات- مع الشركة الوطنية للمقاولات، أمر مهم وسيعمل على دعم الاقتصاد والتنمية في المملكة، كما سيزيد من حتمية ارتفاع مستوى الشركات الخاصة والتسابق بالتفرد في التقنية من أجل التنافس والتعاون مع هذه الشركة الوطنية.
والله الموفق