م. فيصل بن فهد البكران
تشير التقارير الرسمية إلى أن حجم تعثر المشروعات وتأخرها قد وصل إلى أكثر من 550 مليار ريال حسب تقديرات الغرفة التجارية بالرياض، كما أن إجمالي تكلفة
المشروعات المتعثرة خلال الأعوام الأربعة الماضية يقدر بنحو تريليون ريال، وفق ما نشرته جريدة «الشرق» في عددها 162، وأن 90% من تعثر المشروعات بسبب قصور أداء مختلف الأطراف من مقاول واستشاري والجهة المالكة للمشروع!
هذه المشروعات المتعثرة طالت كثيرا من القطاعات التنموية العامة والخاصة من مدارس ومستشفيات وطرق وبنية أساسية الخ.
ولنكن دقيقين في تشخيص الموضوع ونطرح التساؤل البريء ..
هل نجح المقاول مع «أرامكو» في تنفيذ مشروعاتها؟
الجواب : نعم وفقا لآراء الكثير من المستثمرين.
إذا لماذا يتعثر تنفيذ المشروع في مكان آخر ويُهدَّد بسحب المشروع منه في جهة أخرى؟
الحقيقة.. هنالك عدة أمور يجب على كل من مالك المشروع ومن سينفذه أن يأخذاها بالاعتبار، وهي قيمة عقد العمل وكيفية إدارة هذا العمل.
حيث الأمر الأول يتطلب شروطا وقواعد تسلسلية تنحدر تحت الاتفاق على القيمة المدفوعة لإتمام هذا المشروع بنفس الجودة المطلوبة وفي الوقت المطلوب دون أي متطلبات مستقبلية بعد توقيع العقد.
كما يجب على منفذ المشروع أن يكون على علم بنظام العمل وصياغة العقد بطريقة قانونية لحفظ حق الجميع لا حق الجهة مالكة المشروع كما نراه الآن! وعليه تحمل مطلق المسؤولية في تنفيذ المشروع.
وكما يستوجب على المنفذ فهم وقياس جميع المتطلبات والاحتمالات لهذا المشروع قبل تقدير التكلفة لا السعي الى كسب المنافسة فقط دون الإلمام بجميع الشروط.
ومنها نصل إلى الأمر الآخر وهو ما يجب على منفذ المشروع من خلال تطبيقه لأسس إدارة المشروعات في تنفيذ هذا العمل وتجنب استنفاد الوقت والجهد والمال دون الوصول الى النتيجة المطلوبة.
حيث الأمر الأخير يعد جزئية رئيسة في تنفيذ المشروعات.
وإدارة المشروعات علم قائم بذاته يشترط للمهندس أن يكون على دراية به، وللأسف أن أغلب من أشرف على تنفيذ تلك المشروعات التي فشلت كانوا مهندسين ( هندسة مدنية، أو معمارية) ذي خبرة قصيرة في مجال إدارة المشروعات بل عديمو خبرة في أحيان كثيرة! وبالتالي فشلت استراتيجيات المشروعات التي بنيت على أسس خاطئة كعدم تزامن ميزانية المشروع مع الجدول الزمني لتسليم المشروع في وقته المحدد والمخطط له أو قصور في حساب الظروف التي قد تؤثر على مسيرة المشروع فتنشأ كثير من الأخطاء في عملية التصميم والمواصفات والمخططات، ومراقبة الجودة، وتقييم العطاءات، ثم أعمال متراكمة تؤدي الى تأخر تسليم المشروع الى أجل غير معلوم.
وبعد كل هذه النواقص المتداخلة ودوامة العقود اللامنتهية التي تصب في أعمال لم تنجز وأخرى لم تنشأ بعد؛ نصل إلى إنهاء هذه المأساة بإيجاد حل منصف لجميع الاطراف.
إن الحل في رأيي المتواضع يأتي بإعادة وزارة الأشغال العامة وفق نمط وأسلوب حديث يوافق نظام الخصخصة ويلبي حاجة الدولة في تنفيذ المشروعات العملاقة وفق أسس متينة من الإدارة الهندسية القيمية والبيئية (عملية التفكير المنظم لتقييم الخيارات وفق المراحل التالية: 1-الإعداد ?-المعلومات ?-التحليل ?-الخلق أو الابتكار ?-التقييم ?-التنمية ?-العرض ?-المتابعة).
قد يسأل سائل.. وهل نعود للمربع الأول ونعيد وزارة الأشغال بعد التحرر منها؟
الجواب هو في إنشاء هيئة حكومية تحت مسمى (الهيئة الوطنية للمشروعات) على غرار الهيئة الملكية للجبيل وينبع بحيث تقوم بدور الإشراف العام على مشروعات الدولة والإشراف على التنسيق فيما بينها قبل طرح المشروعات للمنافسة، إضافة لذلك مشاركة الهيئة في إعداد التصاميم مع الجهة العامة المالكة للمشروع، وقبل ذلك دراسة الحاجة الفعلية لإقامة المشروع ومكانه، ومن ثم المساهمة في صياغة كراسة المشروع واختيار المقاول المناسب والإشراف عليه حتى الإنجاز الخ…
ولنضرب مثلا في «منظمة المشتريات والخدمات الفدرالية (GSA) في الولايات المتحدة الأمريكية» ، حيث هذه المنظمة تقوم بتوفير جميع احتياجات الدولة ومنها التعاقد مع المقاولين لبناء المباني الحكومية والطرق وغيرها بالسعر الأنسب وبالجودة المطلوبة.
وتهدف هذه المنظمة بحسب ما جاء في دليل أحكام مسؤولية المتعاقدين (Contractor Responsibility Determinations) الصادر من المنظمة إلى التأكد من تطبيق جميع الشروط والمواصفات الفدرالية دون التنازل عن أي منها، وذلك يستوجب على أية شركة مقاولات تنوي التقدم والفوز بالعقد الاستيفاء بجميع الشروط، ومنها: (القدرة المالية، الأخذ بالاعتبار كل ما يتطلب لتنفيذ المشروع والالتزام به، خبرة كافية في المجال، توفر جميع الأدوات اللازمة للمشروع، تاريخ جيد في مجالها).
وبعد أن يقوم مكتب التعاقدات في هذه المنظمة بترسية العقد على شركة ما تكون هذه الشركة هي الرئيسة والمسؤولة عن هذا المشروع، وفي حال قررت الشركة الرئيسة تسليم المشروع أو جزء منه الى شركة أخرى فلا يعني ذلك تجردها من المسؤولية تجاه المشروع، وعلى الشركة الأولى إبلاغ المنظمة الفدرالية بما قامت به مع إرفاق تعهد من كلتا الشركتين بمسؤوليتهما تجاه المشروع.
ومن دراسة واقعية لبعض إدارات المشروعات في الجهات الحكومية وجدت أنها تفتقد لعنصر الخبرة أو الشهادة العلمية في إدارة المشروعات وجودتها، لذلك تحيل جميع العطاءات والعروض المقدمة للمنافسة لوزارة المالية لتقييمها فنيا وماليا قبل اعتمادها! ما أدى إلى تكدس كثير من المشروعات التنموية في قطاع واحد خاضع للبيروقراطية النظامية والمالية وللنقص التام في الكفاءات التي تستطيع إنجازها في وقت يسير!
هذا التأخر ألقى بظلاله على المقاول المنفذ؛ لتغير الكلفة المالية وتغير الظروف التي كان قد تقدم بعطائه حينها! ما يؤدي إلى تنفيذ المشروع بشكل ارتجالي واقتصادي حتى لا يتعثر أو يخسر! وفيه مخالفة لكثير من المعايير التي نص عليها العقد!
وقد استبشرنا خيرا بصدور قرار مجلس الوزراء الموقر - قبل بضعة أشهر - بإنشاء (المركز الوطني لإدارة المشاريع)، والذي حُدّدت مدته بست سنوات قابلة للتجديد، على أن يخضع قبل نهاية مدته بعام إلى تقويم الجهات الممثلة في مجلس الإدارة، ويرفع التقويم إلى مجلس الوزراء للنظر في تجديد البرنامج أو تحويله إلى هيئة عامة مستقلة أو أي نمط تنظيمي آخر.
وهذه (الهيئة) هي مربط الفرس الذي نعول على إنشائها سريعا لإدارة المشروعات الوطنية باحترافية ونظام مؤسسي وفق أفضل الممارسات العالمية.
هذا ما اتسع له حيز المقال وسيكون لنا في المقال القادم بإذن الله إضافة تفصيلية تتحدث عن «الشركة الوطنية للمقاولات» (الذراع الفني والإنشائي للهيئة الوطنية للمشروعات). دمتم بخير.