اللواء الركن م. د. بندر بن عبدالله بن تركي آل سعود
وهو عدل على كل حال، لن يحلم به إنسان في الجمهورية الإيرانية (الإسلامية) التي لم تستطع أن تقيمه حتى في علاقة الإنسان بخالقه، الذي كفل له حرية العبادة، إذ تمنع أهل السنَّة من تشييد المساجد، بعد أن هدمت آخر مسجد لهم، في حين تسمح لليهود بتشييد المعابد وللنصارى بتشييد الكنائس. ولهذا لم يكن مفاجئاً لي على الجانب الشخصي ثورتها المزعومة ضد تطبيق شرع الله في نمر النمر الذي تصفه بـ(آية الله) مع أن محاكمته كانت علنية، وحضرتها كل وسائل الإعلام التي رغبت في ذلك، وتناقلتها الصحف، وثبت جرمه المشهود لثلاثة عشر قاضياً شرعياً في كل مراحل التقاضي، وكفلت له الدولة حق الدفاع. بل أكاد أجزم أن كل القضاة قد بذلوا جهداً مضنياً عبر سنين، ليجدوا ثغرة يعفون بها، ليس نمر النمر وحده، بل كل المتهمين من حد السيف، والدليل أن بعض أحكام الإعدام قد ألغيت ضد البعض، غير أن ما ارتكبه السبعة وأربعون متهماً الذين طبق فيهم شرع الله، بمن فيهم نمر النمر، من جرم شنيع، تمثل في إزهاق أنفس بريئة، وفساد في الأرض، وسعي لشق الصف وتفتيت عضد الأمة، وتخريب للاقتصاد وتحريض على القتل والعنف ودمار للبنية التحتية؛ وغير هذا مما يصعب حصره، كان يستلزم تطبيق الشرع الحنيف، دونما هوادة أو تفرقة، امتثالاً لأمر الله ورسوله، لحفظ الحرمات وبسط الأمن؛ فليس للأمر إذن أية علاقة بالاختلافات المذهبية كما تزعم إيران، فكلهم مواطنون سعوديون، لهم الحقوق نفسها وعليهم الواجبات ذاتها.
وأجزم، كما أجمع كل من أدلى بدلوه في هذا الموضوع، أن إيران لم يكن يهمها (آية الله النمر) ولا حقوق الإنسان وغيره من شعارات خاوية، بل ظنت أن الأمر قد يشكل سانحة مواتية لها لتأليب الرأي العام المحلي والإقليمي والعالمي ضد السعودية، للنيل منها وتنفيذ أجندتها التي شكل سلمان تحدِّياً حقيقياً لها، لم يكن في حسبانها أبداً. إذ شكل تحالفاً لنصرة اليمن وقدّم دعماً سخياً مادياً ولوجستياً للمعارضة الشرعية في سوريا والحكومة الشرعية في لبنان والمضطهدين في العراق، وشكل تحالفاً عسكرياً إسلامياً من أربع وثلاثين دولة لمحاربة الإرهاب وفرق الموت والخراب والدمار التي تسعى بدعم من إيران لتحويل المنطقة إلى ركام، فأجهض كل مخططاتها ومشروعاتها التوسعية وشهيتها العارمة للسيطرة على المنطقة وحلمها الأبدي في بسط نفوذها عليها، وما أثار حفيظتها حقاً، أن سلمان فعل هذا كله في وقت واحد تقريباً وخلال عام واحد أيضاً؛ في حين نجد أن دولاً مجتمعة عجزت عن تحقيق ما أنجزه سلمان حتى في أسبوع واحد فقط.
فإيران إذن، لا يهمها النمر أو غيره، بل تسعى لتحقيق أهدافها في السيطرة على المنطقة.. انظروا للافتات التي رفعتها في كل مرة يقتل فيها أحد جنرالاتها وقادتها العسكريين الذين يؤججون الصراع في سوريا والعراق: (مدافع حرم) أي أنه حسب زعمها، استشهد في الدفاع عن الحرم المقدس. وإلا لماذا لم تعترض إلا على تطبيق الشرع في النمر وحده، مع أن ستة وأربعين مجرماً آخرين قد لقوا المصير نفسه؟! أما سلوكها العشوائي في الاعتداء على سفارتنا في طهران وقنصليتنا في مشهد، فأمر ليس بجديد، فلإيران سجل حافل بالاعتداءات على حرق السفارات والتآمر على الاغتيالات السياسية، بدءًا من سفارات أمريكا في طهران وبيروت والكويت والسفارات الفرنسية والبريطانية، وليس انتهاءً بسفارتنا في طهران، في تأكيد صارخ على انتهاك القوانين الدولية وعدم تحمل المسؤولية والسلوك الهمجي الذين يؤكد إفلاسها السياسي وعجزها الدبلوماسي، في تصرف أثار حفيظة العالم كله واستهجانه، حتى الذين عرفوا بتعاطفهم معها. ما عدا أولئك الذين لن يستطيعوا فكاكاً من ربقتها، مثل (السيد حسن نصر الله) زعيم حزب الله في لبنان. الذي حول خطبته في تأييد (الشيخ محمد خاتون) في اليوم التالي لتطبيق حكم الشرع على (آية الله النمر) وآخرين، إلى حفلة سب وشتم للسعودية ولقادتها وشعبها؛ إضافة إلى (أنصار الله) في اليمن وبعض المترددين الذين لا يدرون: أيميلون إلى هؤلاء أم إلى أولئك.
وقد يستغرب البعض أنني أخاطب زعيم حزب الله في لبنان بـ(السيد) كما يحلو له، واحتفظ للناس بألقابهم، ولا أكيل السب والشتم كما يفعلون لنا. والجواب بسيط: محدثكم يعتز بأنه خريج مدرسة سلمان بن عبدالعزيز، المتسامي فوق كل جراح، الذي لا تعرف نفسه الكريمة الحقد والحسد والفحش والانتقام، فمع ما ارتكبه النمر من جريمة شنيعة في حق الوطن والإنسان، إلا أن سلمان عالج زوجته في أمريكا وابتعث ثلاثة من أبنائه للدراسة في الخارج على حساب الدولة، أسوة بكل الموطنين، بصرف النظر عما اقترفه والدهم من جرم شنيع. بل حتى إيران نفسها إن حلت بها كارثة اليوم، ستكون قوافل سلمان أول الواصلين إليها، كما حدث أيام الزلزال الذي ضرب قرية بام الإيرانية من قبل.
أجل.. أنا أعتز بانتمائي لمدرسة سلمان الذي أولى عناية خاصة لمصابي إيران في حادثة رافعة الحرم العام الماضي، بل زارهم بنفسه الكريمة في المستشفيات مطمئناً على صحتهم ومؤكداً على ضرورة تقديم أفضل الخدمات إليهم، وكذلك الحال مع من لقوا حتفهم من الإيرانيين في حادثة تدافع منى أثناء الحج، التي تشير كل أصابع الاتهام حتى الآن، إلى إيران في افتعالها، وحرصه على نقل الجثامين ليدفنوا بين ذويهم في إيران، سلمان الذي أبلغ معزياً الرئيس الإيراني روحاني في وفاة والدته، مع ما يضمره الأخير وشعبه من عداء وتحرش ببلادنا.. وتودع بلاده أعضاء سفارة إيران إثر الأحداث الأخيرة بكل حفاوة وتكريم أدهش العالم، ولم يفكر أحد في قذف سفارة طهران لدينا بحصاة، مع أنهم أشعلوا النار في سفارتنا ونهبوها وهددوا حياة موظفيها.. فهكذا تعلمنا من قادتنا، التمسك بالقيم والأخلاق الفاضلة، حتى مع الأعداء في أصعب الظروف، كما يأمرنا ديننا، فالوقت لدينا للعمل والإنجاز.. لا للسب والشتم والابتزاز.. أرأيت يا (سماحة السيد) في لبنان، كيف يعامل سلمان وشعبه الإنسان؟!
ومرة أخرى، جن جنون إيران من عدالة سلمان وصدق حزمه ومضاء عزمه، فخاب سعيها وانكفأت على أعقابها تعتذر طالبة الصفح، بعد أن تأكد لها أنها لا حيلة لها أمام زعامة سلمان؛ ليس لأنه يشتري الذمم كما تتهمه إيران بما تفعله هي، وتعتمد ذلك وسيلة أساسية في تحفيز الإتباع، بل لصدق نيته واحترامه لعهده وسعيه لتحقيق الخير للناس أجمعين أداءً لرسالة دولته؛ وثقة العالم في سلامة نهجه.
وأختم هذه الفقرة بتبشير إيران التي تتشدق بحقوق الإنسان، أن أطفال تعز ومضايا وغيرهما من البلدات والمدن التي أطبقت عليها الحصار حتى قضى أهاليها، الذين يقدر عدد المحاصرين فيها بأربعة ملايين ونصف المليون نسمة في سوريا وحدها، معظمهم من النساء والأطفال والعجزة لسن أو مرض، حسب تقرير الهيئة الدولية للصليب الأحمر، الذين قضوا من الجوع والمرض، سيقاضونها أمام الحق -عزّ وجل-، يوم تنطق كل جارحة بما ارتكبه صاحبها من خطيئة. وستبقى صور أطفال مضايا الذين حوَّلهم حصار إيران جلداً على عظم، بعد أن اضطرهم ليقتاتوا على أوراق الشجر، وصمة عار في جبين زعمائها إلى الأبد.
وخلاصة القول: لتخسأ إيران، فإنها أعجز من أن تنال من زعامة سلمان وهيبته، مهما أبدع عقل شياطينها في تلفيق التهم وحبك المؤامرات وشراء الذمم. وليفهم وزير خارجيتها جواد ظريف الذي هرع للكتابة في الصحف الغربية، في محاولة لتضليل الرأي العالمي، أن السبيل الوحيد للتسوية أصبح اليوم في يد إيران، فلتغسل يدها من التدخل في دول المنطقة، ولتعتني بشؤونها الداخلية بدل تصدير القنابل والإرهاب إلى الآخرين، ولتصدق النية في التعامل، وساعتئذٍ ستجد جيش سلمان كتفاً إلى كتف مع جيشها لتحرير القدس ونصرة فلسطين التي تتشدق إيران بنجدتها.
ميزانية التحول الحقيقي:
قلت كثيراً، كما يدرك الجميع، إن سيدي الوالد خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، حفظه الله ورعاه؛ مهما يحقق لنا من إنجازات تشبه المعجزات، لن يدهشنا نحن هنا في هذه البلاد الطيبة المباركة؛ لأننا عرفناه منذ نشأته بيننا، طامحاً إلى المعالي، متفانياً في خدمة عقيدته ووطنه وشعبه وأمته؛ وعلى كل حال، سجله حافل بإنجازات خالدة وأعمال استثنائية لا تنقاد لغيره.
ولهذا، الجميع كان متهيئاً ليسمع في أية لحظة من قائد المسيرة، ما يثلج الصدر من قرارات حكيمة وإجراءات إدارية ذكية، تنشد الكمال الإنساني، لتحقيق مصلحة المواطن وتهيئة كل سبل العيش الكريم له.
وعليه، لم يكن مفاجئاً أبداً أن تأتي الميزانية، هذا العام، جديدة في كل شيء، ومختلفة تماماً عن كل الميزانيات السابقة، تؤكد بصمة سلمان الإداري العبقري، الذي تمثل رؤيته اليوم شوكة الميزان التي تضبط إيقاع حياتنا في المجالات كافة على اختلاف أشكالها ومتطلباتها. فكانت ميزانية عامنا الجديد هذا، تشكل تحولاً إستراتيجياً مهماً لإعادة صياغة السياسة الاقتصادية للدولة، سعياً لتحقيق أهداف إستراتيجية مهمة، أبرزها: تعزيز كفاءة الإنفاق، وتنويع مصادر الدخل، وإتاحة المجال للقطاع الخاص، خاصة المشروعات الصغيرة والمتوسطة التي تمثل الاقتصاد الجزئي، من خلال الخصخصة، للتعاون مع الاقتصاد الكلي للدولة، لتحقيق النهضة الاقتصادية المنشودة، والتحول من مجتمع استهلاكي إلى آخر منتج بكفاءة.
ومع ما يردده المرجفون المخذِّلون، تبقى القاعدة الاقتصادية السعودية راسخة ومتينة، من خلال ما حققته من أداء قوي، بشهادة السيدة كريستين لاجارد، مدير عام صندوق النقد الدولي، حتى في ظل انخفاض أسعار النفط وتراجع النمو وما يشهده العالم من حروب وصراعات ونزاعات، أثرت كثيراً في هذا الفتور الاقتصادي الذي استطاعت المملكة أن تتجاوزه بفضل الله سبحانه وتعالى، ثم بحكمة قيادتها وكفاءة مسؤوليها وثبات قاعدتها الاقتصادية التراكمية، منذ تأسيسها حتى اليوم، فهي قامت أساساً لتحقيق رفاه الإنسان، ولهذا لم يغب الأمر عن ذهن صانع القرار أبداً، ولن يغيب مطلقاً إن شاء الله.
وبإشارة سريعة لعنصر واحد فقط من السياسة المالية الإصلاحية في ميزانية هذا العام، نجد أن زيادة أسعار الطاقة وفرت لخزينة الدولة أكثر من ستة وعشرين مليار ريال، يمكن توظيفها في مشروعات خدمية مهمة تعود بالنفع على كل المواطنين، ومع هذا أيضاً، تتصدر بلادنا دول العالم من حيث السعر الأقل للبنزين الممتاز. وثمة فائدة أخرى غير منظورة غير أنها حتمية، تتمثل في المساعدة في الحفاظ على البيئة من خلال ترشيد الوقود، والحد من زحمة السير، وبالتالي تقليل نسبة الحوادث التي تمثل آفة خطيرة لاقتصاد البلاد الذي يخسر عشرات المليارات سنوياً على علاج مصابي الحوادث وتأهيلهم، هذا فضلاً عما تخسره شركات التأمين ويفقده الوطن يومياً من كادر بشري أغلى من كل ثروات الدنيا، بسبب حادث هنا أو هناك، إذ تفقد البلاد يومياً أكثر من عشرين نفساً بسبب الحوادث، وفق إحصاءات المرور؛ لاسيما بسبب مراهقة فئة من الشباب هداهم الله، الذين يعرضون نفسهم وغيرهم للخطر من خلال ظاهرة التفحيط التي أتمنى من كل قلبي أن تختفي من بلادنا إلى الأبد، فكم من أم مكلومة بسببها وأب مفجوع.
أما الأمر الملفت حقاً الذي أثار اهتمام المختصين، في رأي المتواضع، هو الاكتفاء بتحديد ميزانية خاصة لثلاث وزارات فقط، هي الصحة والتعليم والجيش، لأهميتها التي لا أظن أنني في حاجة لشرحها. وفي تقديري، أن هذه خطوة غاية في الذكاء لترشيد الإنفاق بقدر الحاجة، فكم من إدارات في هذه الوزارة أو تلك، صرفت مبالغ طائلة في الميزانيات السابقة في أعمال لا طائل منها، حتى لا تعيدها لخزينة الدولة بحجة انتهاء العام المالي، حتى لا يؤثر هذا على نصيبها في الميزانيات المقبلة.. أجل هذا حدث كثيراً، بل أجزم أنه حدث في معظم الإدارات في معظم الوزارات، وإذا جمعنا كل المبالغ التي تصرف بهذه الذريعة، نجد أننا نخسر مبلغاً يقدر بمئات الملايين، إن لم يبلغ المليارات، كان يوفر على الدولة الكثير. أضف إلى هذا، ذلك المؤتمر الصحفي الذي ضم عدداً من الوزراء، أصحاب الاختصاص، إضافة لرئيس شركة أرامكو السعودية، للحديث عن الميزانية وشرح الأمور للرأي العام.
وعلى كل حال، يجمع كل المعنيين بالشأن الاقتصادي، أن الاقتصاد لا يقاس بكم السيولة المالية المتوافرة لهذه الدولة أو تلك، بل بمدى ترشيد الموارد وتنظيم صرفها بحيث تلبي متطلبات المواطنين كافة. وقديماً قيل: ليس العبرة بما تملك، بل بكيفية إنفاقك لما تملك، ونحمد الله كثيراً على ما أفاض علينا من جليل النعم.
اليوم الوطني الخليجي:
بداية، لا بد أن أشيد هنا بمسيرة مجلس التعاون لدول الخليج العربية الذي حقق كثيراً من الإنجازات لدول المنطقة منذ إنشائه في الخامس والعشرين من مايو عام 1981م، وقد أشرت في مقال سابق إلى أن 90 في المائة مما اتخذه من قرارات تحول إلى إنجازات على أرض الواقع.
واليوم، إذ تعصف بالعالم تحديات جسيمة، تهدد وجوده وأمنه واستقراره، خاصة منطقتنا هنا في الخليج، التي تتجه أنظار العالم كله إليها، لما حباها الله من خيرات وفيرة، وموقع مهم، نرى ثمار هذا التعاون الخليجي، قد تأكدت من خلال تلك المواقف المشرفة، التي تهز الوجدان لدول المجلس في وقوفها مع بلادنا، لاسيما أثناء الأحداث الأخيرة، منذ إعلان انطلاقة عاصفة الحزم، مروراً بالأزمة الأخيرة التي افتعلتها معنا إيران، إثر قرارات المملكة السيادية بشأن تلك الفئة الإرهابية التي نفذت فيها شرع الله، بسبب إزهاقها للأرواح وتعديها على الممتلكات والمنشآت وتحريضها على الفتنة؛ فنالت ما تستحق من جزاء وفق الشرع الحنيف الذي تتخذه المملكة دستوراً لتحكيم العدالة بين مواطنيها؛ إذ ليس ثمة دستور في الكون أفضل من كتاب الله الكريم وسنَّة رسوله -صلى الله عليه وسلم-.
وتأسيساً على تلك المبادرة التاريخية التي افتتح بها فقيدنا الكبير الملك عبدالله بن عبدالعزيز، طيب الله ثراه، القمة الخليجية الثانية والثلاثين في 24-1-1433هـ، الموافق 19-12-2011م، في قصر الدرعية بالرياض، بالدعوة للانتقال بدول مجلس التعاون الخليجي من (التعاون) إلى الاتحاد الخليجي، تحقيقاً لخير شعوب المنطقة ودفعاً للشر عنهم؛ التي أكدها قائدنا اليوم سلمان الحزم والعزم والثبات في كلمته الافتتاحية للدورة السادسة والثلاثين للمجلس الأعلى لقادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية التي عقدت أيضاً بالرياض بقصر الدرعية العتيد، يوم الأربعاء 27-2-1437هـ، الموافق 9-12-2015م، التي جاء فيها: (... يأتي لقاؤنا اليوم بعد مرور خمسة وثلاثين عاماً من عمر مجلس التعاون، وهو وقت مناسب لتقييم الإنجازات، والتطلع إلى المستقبل، ومع ما حققه المجلس، فإن مواطنينا يتطلعون إلى إنجازات أكثر تمس حياتهم اليومية، وترقى إلى مستوى طموحاتهم... إلخ). وأيضاً استناداً إلى الدور البطولي المهم الذي اضطلع به (درع الجزيرة) في حرب تحرير الكويت التي أدى احتلال صدام لها إلى كل هذه التداعيات التي تعيشها المنطقة والعالم اليوم، إضافة لدعم درعنا الواقي لمملكة البحرين الشقيقة. وتأكيداً لكلمة أخي الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، وزير خارجية دولة الإمارات المتحدة الشقيقة، حفظه الله، أثناء احتفال بلاده بمناسبة يومها الوطني الرابع والأربعين، التي جاء فيها: (... إن من يقرأ التاريخ، يدرك أن علاقتنا مع المملكة العربية السعودية، أعمق من علاقة جوار ونسب ومحبة، فالسعودية بالنسبة لنا هي كبير العائلة الذي نستشيره ونرجع له في السراء والضراء.. ولا شيء يزيدنا فرحاً أكثر من ازدهار التعاون بيننا وبين السعودية على مستوى الحكومة والأفراد... إلخ) وهي على كل حال، كلمة ضافية، وددت أن أنقلها هنا كلها للقارئ الكريم لولا ضيق المساحة. وأضيف إليها تصريح الراحل الملك عبدالله، طيب الله ثراه، لجريدة السياسة الكويتية عام 1431هـ، (2009م)، إذ يقول: (... إنني أطمح أن أرى دول مجلس التعاون الست، التي يجمعها الدين الواحد واللغة الواحدة، بل اللهجة الواحدة، أقول أطمح أن أرى مسار هذه الدول أفضل بكثير من مسار الاتحاد الأوروبي).
وعليه، إذا كان الاتحاد الأوروبي قد حقق ما حقق من وحدة مدهشة حقاً، بين ثمان وعشرين دولة، مع ما بين شعوب دوله من اختلافات عرقية ومذهبية وثقافية وسياسة أحياناً، واختلافات حتى في اللغة، نستطيع نحن هنا في دول الخليج أن نحقق وحدة راسخة تدهش العالم، لاسيما أن الحاجة إليها اليوم، في ظل هذه التحديات والأطماع البالغة التعقيد التي تمر بها المنطقة وتستدعي العمل معاً لتحصين دولنا من الأخطار الخارجية، كما أكد الملك سلمان، في كلمته التي أشرت إليها آنفاً، خاصة أن مسيرة التعاون قد مهدت فعلاً للتحول إلى اتحاد قوي متماسك.
ولهذا، أناشد قادتنا الأماجد في دول مجلس التعاون، لإعلان تحويل (التعاون) إلى (الاتحاد الخليجي العربي)، وإعلان يوم الخامس والعشرين من شهر مايو من كل عام، يوماً وطنياً خليجياً، داعياً مفكري المنطقة وسياسييها وأدباءها ومثقفيها وكتابها وفنانيها وشعوبها كافة، للمشاركة الفاعلة بداية من شهر مايو المقبل.
وأعرف أن تحقيق الاتحاد يتطلب عملاً وجهداً قد لا يتاح للقادة في ظل الظروف الراهنة، لكن لنعلن قيام الاتحاد انطلاقاً من الخامس والعشرين من مايو لهذا العام، وهو اليوم الذي تم فيه تأسيس مجلس التعاون، كما يعلم الجميع عام 1981م، ولنتفق الآن على الاتحاد في ثلاث نقاط أساسية، أرى أنها تحظى بإجماع تام لدى كل قادتنا وشعوبنا، ولا تحتاج إلى كثير اجتماعات ومداولات معقدة:
الأولى: الاتفاق على إعلان يوم الخامس والعشرين من كل عام ميلادي، يوماً وطنياً خليجياً، كما أسلفت.
الثانية: الاتفاق على إعلان سياسة خارجية موحدة، يعبر عنها المجلس المشترك رسمياً، باسم جميع الدول.
الثالثة: تشكيل وحدة مشتركة لمحاربة الإرهاب بأشكاله كافة في جميع دول (الاتحاد الخليجي العربي).
ثم يأتي العمل فيما بعد لاستكمال الاندماج التام.. وصدقوني يا إخوتي وعشيرتي في خليجنا الحبيب، ألا مناص لنا من هذا الاتحاد، الذي يحقق لنا الخير ويدفع عنّا الشر بإذن الله، طال الزمن أو قصر، متمنياً من كل قلبي أن نحتفل جميعاً بعد ثلاثة أشهر بـ(اليوم الوطني الخليجي) الأول، بالتزامن في كل دولنا الفتية.
ولا يفوتني أن أختم هذه الفقرة بجزيل شكري وصادق تقديري للأشقاء العرب، قادة وشعوباً، لصدقهم ومناصرتهم وموقفهم النبيل إلى جانب قيادتنا الرشيدة، وهو على كل حال، انحياز للحق والأخوة وكل القيم النبيلة الفاضلة؛ لاسيما الموقف الأخير لمجلس الجامعة العربية، الذي حقق إجماعاً غير مسبوق في تاريخ العمل العربي المشترك، حتى مع تحفظ لبنان.
وحبل الشكر موصول لكل الدول الشقيقة والصديقة والأحرار في العالم، خاصة أولئك الذين اتخذوا قرارات حاسمة، منذ الساعة الأولى التي حاولت فيها إيران التدخل في شؤوننا الداخلية. مما شكّل صفعة مدوية لقوى الشر والظلام، أؤكد أنها لم تكن في حسبانها؛ أجبرتها على الاعتراف بالخطأ والتنصل من المسؤولية.. لكن لتعلم إيران، أن هذا أول غيث سلمان، وإن لم تعد إلى جادة الصواب، فسوف ترى المزيد من الحصار والتصعيد السياسي والدبلوماسي.
النداء الأخير:
أذكر جيداً أنني نشرت مقالاً في جريدة الجزيرة، الثلاثاء 12-11-1435هـ، الموافق 16-9-2014 م، العدد 15328، ص 42، بعنوان: (آلآن.. وقد أعرضتم قبل؟) نبهت فيه الغرب لعواقب إعراضه عن دعوة القيادة السعودية وتحذيراتها المتتالية للمجتمع الدولي، منذ أن كشّرت آلة الإرهاب العمياء عن أنيابها المسمومة قبل عقدين تقريباً، لإدراك قيادتنا الرشيدة فداحة الخطر المحدق بالجميع.
واليوم، دكّت آلة الإرهاب حصون أوروبا، مع تقنيتها وتطور أجهزتها الأمنية، خاصة فرنسا التي يضم جيش داعش الإرهابي اليوم 2500 فرد من مواطنيها رجالاً ونساءً؛ فضلاً عمّا تشهده أمريكا من تفجيرات واعتداءات من وقت لآخر، في هذه الولاية أو تلك، وما تعيشه كل دول أوروبا دون استثناء من خوف وحذر وترقب، كلّف خزينتها أموالاً طائلة لحفظ الأمن وموارد بشرية بمئات الآلاف في الشرطة والجيش وحرس الحدود، للحد من طوفان الهجرة المتدفق صوبها، في أسوأ ظاهرة لم تشهد مثيلاً لها منذ أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها. إلى جانب ما تمارسه المنظمات المتطرفة في منطقتنا من فساد وتشكله من تحدٍ، حوَّل العراق وسوريا واليمن وليبيا إلى ركام؛ سعياً لترسيخ أقدامها في دولتها المزعومة، ومن ثم تمكين نفسها لتصدير الإرهاب إلى كل دول العالم، وقد بدأت إرهاصات هذا واضحة للعيان، فتملَّك شعوب الغرب الذعر لدرجة أنهم صاروا يهرعون من الشوارع صوب بيوتهم لمجرد انفجار إطار سيارة أو حتى إطار دراجة نارية هنا أو هناك.
واليوم أجدد النداء للغرب للتعاون مع دول المنطقة بصدق وإخلاص وعزم كحزم سلمان، لا يعرف التردد والخذلان والمكر والخيانة، فكلنا يدرك أن الغرب لم يكن صادقاً في تعامله معنا حسنة لوجه الله، فهو صاحب مصلحة كما أننا أيضاً أصحاب مصلحة معه، فتلك هي سنَّة الحياة التي تقتضي التواصل وتبادل المنافع، لكن على الغرب الآن أن يكف عن سياسة الكيل بمكيالين ويدرك جيداً أن مصلحته من مصلحتنا أولاً، ويتعامل معنا بالتالي بكل جدية وصدق نية. فمثلما تحوّلت بعض أحياء باريس إلى (رقة سوريا)، سترفع داعش رايتها السوداء، في أكثر من دولة غربية، معلنة قيام دولة الخلافة هناك؛ فضلاً عن استهداف مواطنيه في كل مكان في العالم، وقطعاً لن يكون آخرهم ضحايا قلب تركيا من الألمان الذين سقطوا يوم الثلاثاء 2-4-1437هـ؛ وهو أمر محزن على كل حال. غير أنه يؤكد ضرورة تغيير الغرب سياسته في المنطقة، والسعي الجاد مع زعمائها لتوطيد الأمن وترسيخ الاستقرار.
وبعد:
إذ نجدد البيعة اليوم هنا في دولة عبدالعزيز الفتية الشامخة، لسلمان الحزم والعزم والوفاء، نؤكد لمقامه الكريم بقاءنا على العهد إلى الأبد، شاكرين الله سبحانه وتعالى أن سخَّره لنا في هذا الوقت العصيب، الذي تمر فيه المنطقة والعالم بمحن وقلاقل عديدة، مثمنين عطاءه وجهده وما حققه لنا من إنجازات أدهشت العالم، وإدارة لشؤون الدولة، وتأثير في سياسة العالم حققت تحولاً مذهلاً، سحر الشرق وأدهش الغرب، فوثق الأول في حسن تدبيره وعبقرية قيادته، فاصطف يناصر سياسته، في حين انزعج الأخير من عبقرية زعامته، فأمعن في تلفيق التهم والأقاويل، تارة متآمراً على التأثير في اقتصادنا من خلال العمل الدؤوب لخفض أسعار النفط، وأخرى ملوحاً بوثيقة حقوق الإنسان العرجاء ضد دورنا المحوري في وأد الفتنة في اليمن ونصرة إخوتنا في الشام وقطع دابر الإرهاب في بلادنا.. لكن هيهات، فقافلة سلمان ماضية دوماً إلى الأمام، بتوفيق الله ثم بصدق نية صاحبها وحزمه وثباته وعزمه.. فسلمان قلب وكلنا قلب سلمان، وسلمان روح، وكلنا فداها.
وتتزاحم الأفكار والكلمات والأناشيد في الذهن، كل تود أن تنال شرف مسك ختام الحديث عن سلمان، الذي مهما طال وبلغ من السبك والإحكام، لن يوفي قائد مسيرتنا حقه، ولهذا لا أجد أفضل من أن نخاطبه كلنا بصوت الأخ الشاعر محمد مهاوش الظفيري في قصيدته العصماء (سلمان العزم) التي نشرت بجريدة الجزيرة، الأحد 30-3-1437هـ، الموافق 10-1-2016م، ص 22.. فيا سلمان:
خلقت عظيماً منذ مشيت على الثرى
وها أنت في وجداننا تتشجر
أرى فيك قعقاعاً، وعمراً، وخالداً
ومعتصماً لله، يدعو، ويثأر
آسلمان، إن الشعر فيك يهزني
فأنت ذراه، والمليك المؤَمَّر
وأنت الذي أُحْفِيَت من أجله الخطى
وها أنت في الهيجاء تنهى وتأمر
فـ:
هنيئاً لأبناء العروبة ضيغمٌ
به من أبيه، كل ما كان يُؤثر
مليك لأطراف القلوب، ودائماً
إلى الحق يستدني، إذا القوم أدبروا
# لو كان للحزم أن يتجسد في هيئة إنسان لكان اسمه سلمان