فاطمة العتيبي
حدثني شيخي وقال: أفاطم لم لا تتحدثي؟، فمثلك لم يخلق للصمت، بل أنت طير حر يجوب السماوات الصافية، في وضح النقى، لا يقبل أن يعيش في أنصاف الحلول ما خطبك.. تعلو ملامحك الدهشة وتقاسمك الحيرة؟!
قلت: طبت يا شيخي وطاب حديثك، لكنك تعلم، خرجت للتو من ثغر النظريات الباسم، وتلقفني فك الواقع المفترس!
وما أن تكالبت علي صنوف العوق الإداري في وزارة التعليم حتى صدمني الوزير ذات مساء بمقاله التعليم إلى أين؟
قال شيخي وهو يقهقه قهقهة خشيت عليه منها، فقد وهن منه العظم، وعلاه الشيب، وصار الفرح كما الغضب يمثل خطراً على قلبه.. قال:
هل يسأل ربان السفينة وقائدها الركاب عن كيف يصل لوجهته؟ وهو لا يعرف أين يتجه؟
قلت على رسلك يا شيخي: إنما هو سؤال قديم طرحه قبل الوزارة وعاد ليسأله بعد الوزارة!
ثم إن وزيرنا الذي هو كبيرنا الذي علمنا سحر الكتابة والإصلاح لمواضع الإخفاق في النظام التعليمي جاء ليقول إنه لا يزال منا نحن الباحثين عن إصلاح التعليم، فأجمل كل ما قلناه ليقول؛ «هاكم كتابيه» وهو كتاب أعظم من كتابيه السابقين اللذين ناقش أحدهما إصلاح التعليم العالي والثاني إصلاح التعليم العام!
لأن في مقاله الجديد رصداً متسلسلاً بعناية لكل إخفاقات نظام التعليم وهو ما يعني انهياره التام!
قال شيخي: أفاطم قولك هذا خطير، وقول وزيرك أخطر
ألا يعلم بأن الوزير ممثل الدولة في تقديم خدمة التعليم وحين يخرج الوزير ليقول كلاماً مرسلاً لا رؤية فيه ولا إستراتيجية..
قلت يا شيخي ما عهدتك قاسياً، الوزير يريد أن تمضي الأيام بهدوء، ولن تمضي، فالجمود مثل الحركة السريعة، كلاهما له مضاعفات خطيرة.
لم نعد نملك القدرة على عذره أو تخيل المأزق الذي يعيش فيه، ويؤلمني يا شيخي أن أخبرك بهذا لكنها الحقيقة المرة!
قال شيخي: عرفتك متفائلة، تقاتلين العثرات، وتعبرين المفازات باتجاه الحياة.
قلت: وأنا على عهدك.
قال شيخي: اقرئي علي ما جاء في مقال الوزير، فقرأت حتى إذا بلغت: «لا شك في أن نظامنا التعليمي لا يزال مكبلاً بكم هائل من التحوطات والتوجسات المكتوبة وغير المكتوبة والمخاوف المكبوتة وغير المكبوتة، والتدخلات ممن يمتلك الخبرة والمعرفة والدراية والحكمة وممن لا يمتلكها، ممن يحشر أنفه في كل قضية، ويفتي في كل شاردة وواردة، وممن يتخوف من كل جديد».. عاد شيخي ليضحك حتى ذهب نفسه، وأشار بيده علي لأقعده، ليرد إليه نفسه، ثم أشار إلى الماء فأسقيته شربة ينسون، وقلت هذا أفضل لتهدأ أنفاسك أيها الشيخ الحكيم..
ثم قلت له يا شيخي: ما خطبك لم عدت للقهقهة؟
قال أليس وزيركم هو صاحب الكتابين الشهيرين؟ قلت بلى، قال أليس هو داعية الإصلاح العظيم الدكتور أحمد العيسى، قلت بلى ورب الكعبة، قال شيخي بصوت متهدج بين الضحك والتعجب قائلاً:
ياللعجب كيف يقول وهو داعية الإصلاح (من يحشر أنفه في كل صغيرة وكبيرة) أونسي أنه حشر أنفه حتى استوزر؟ هل يريد الناس أن يصمتوا؟
أما وأن الوزير قد زهد بالكلام حين رأى عظم الواقع، فإن لومه للناس على آرائهم في خدمة تنموية هي حق مكفول لهم ولأبنائهم، وهم سيتدخلون في شؤونها ما عاشوا وما بقي نظام الدولة مستقر مهاب، والوزير فيه مقدم خدمة للمواطنين إن أحسن قالوا أحسنت وأن أخفق قالوا أخفقت!
قلت يا شيخي: لربما له عذر وأنت تلوم؟
استدار شيخي ونظر إلي شزرا...
وقال: لا تبررين فلا يليق بامرأة مثلك أن تبرر الخطأ.. ثم ثنى النداء.