فاطمة العتيبي
يتلقى الشاب الموهوب في الرياضيات عرضاً مغرياً من مدير شركة أمن معلومات أمريكية تعمل في الشرق الأوسط، فيتساءل: ما مهام عملي؟ ويزيد: «هل سأطلق أوامر سرية بإطلاق صواريخ على الأحياء المدنية في العراق فيموت مئات الأطفال ثم أعود إلى بيتي وأحتسي الشراب وأشاهد فيلماً عن مستقبل العالم؟»
هذا الشعور لم يكن وجهة نظر كاتب قصة أحد الأفلام الأمريكية الناجحة، بل وجهة نظر كثير من شباب وشابات أمريكا الذين صادفتهم، فهم يتساءلون: لماذا نتدخل؟
لقد أتعبتنا التدخلات، وقتلت جنودنا، وكرهنا العالم، وكشفوا أكاذيبنا، لندع العالم وشأنه. هكذا هي العقلية البراغماتية الأمريكية التي لا تفكر بالتحرك إلا مع مهددات الخطر، وتقيم انعكاسها على مصالحها، بعدها تبدأ بالتفكير بالتدخل، أو الترقب عن بعد. بالتأكيد هذا تولد عن الأزمات الاقتصادية التي أصابتها بعد تدخلها في العراق.
لذا لم تتدخل أمريكا في سوريا لأنها تعي أن الدولة التي تتدخل ترث مشكلات البلد الذي تدخلت فيه، وعليها أن تتولى حلها!
هرب بوتين من سوريا، فقد وجد أن الفخ الذي أقامته أمريكا له أكبر من أن يحتمله، ففر وترك للسوريين قرارهم، تحيطهم عناية الله أولاً ثم تحالف رعد الشمال، حلف قوي تشكل من دول إسلامية كلها عضو في هيئة الأمم المتحدة، وهي جزء من النظام العالمي المدني المستقر الذي يحارب الإرهاب ويحارب المليشيات السنية والشيعية، ويجرِّم أي تحرك عسكري خارج سياق المدنية والاتفاقيات والقوانين.
سوريا اليوم أمامها بشار والنصرة وداعش، ومعها دعواتنا بأن تنجح الحلول السياسية في إعادة 28% من الشعب السوري الذي يعيش مهاجراً خارج بلاده في السعودية ولبنان والأردن وتركيا وأوروبا، وأن تعود الشام آمنة مستقرة، واحة غناء لشعبها، وعزة ومنعة في وجه تمدد إسرائيل.