السلطة السياسية هي أقوى السلطات من حيث التنفيذ إذا أيقنا بأن السلطة الدينية أقوى السلطات من حيث الإقناع الفكري ، فالخطاب السياسي مبني على البرغماتية النفعية بينما الخطاب الديني مبني على الخلاص الذاتي الأخروي، لذا فإن الخطاب السياسي مادي دنيوي بينما الخطاب الديني أخروي روحاني، والدنيوي يتسلط على الأخروي، وبالخصوص حينما يعتمد هذا الدنيوي على الخلاص الأخروي، بمعنى أن يعتمد الخطاب السياسي على القوة الدينية والخلاص الأخروي، وهذا ما جعل ماركس يقول :»إن الدين أفيون الشعوب».
الإشكال الفكري الضخم و العميق جدًا حينما ننحي هذه الخطابات بمعزل عن بعضها البعض في تحليل القضايا الفكرية في واقعنا العربي و السعودي بشكل خاص، لأن كلا الخطابين يعتمد على الآخر، وكلا الخطابين يروّج للخطاب الآخر، و بذا فإن عزلهما في التحليل يعتبر تحليلًا أبتر يتعامل مع القضايا بأحادية بل و بسطحية إن لم تكن نفعية برغماتية.
قضية الصحوة مثال ظاهر على هذه الفكرة فمناقشة الصحوة نقاشًا بنيويًا باعتبارها أيديولوجيا تعتمد على الفكر السلفي القديم و معاداة الحديث دون استحضار ملابسات الخطابات السياسية العربية (الداعمة لها/السعودية) و (الرافضة لها/مصر) كمثال ؛ يعتبر نقاشًا عقيمًا إن لم يكن برغماتيًا يروّج أفكار السلطة السياسية ذاتها في النقد، و سأعود إلى هذه الفكرة في مقال مستقل لاحقًا . و الذي يلفت الانتباه أن قوة السلطة السياسية على مر التأريخ الإنساني هي أقوى السلطات، و أقوى ما كانت عليه حينما تندمج السلطتان السياسية و الدينية فإنها تضحي مسيطرة على مكامن الإنسان/المواطن الفكرية و التنفيذية بل إنها ستشكل سياجًا حصينًا ضد كل ما يخالف هاتين السلطتين ، و القوة هنا ليست نعتًا حميدًا بل صفة سلبٍ لحرية الإنسان ؛ و قوة استبداد سلطوي من قِبَل هاته السلطات .
و لعل المتابع للعديد من القضايا المجتمعية (التنفيذية و الفكرية) كهيئة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر أو قضية مشاركة المرأة في الفعل السياسي سيلحظ اندماج الخطابات في تنفيذها و عزلها، فيعتمد الخطاب السياسي على الخطاب الديني و العكس أيضًا في التنفيذ و العزل، و الإشكال حينما يتعامل المثقف مع إحدى هاته القضايا باستحضار أحد هذين الخطابين دون الآخر، و يجعل القضية محصورة في أحدهما مما يعفيه من الدخول في جدل أو في رفض من كلا الخطابين، وهذا سيجعلنا ننظر إلى قضايانا الفكرية و المجتمعية بعين واحدة؛ وهذه العين تتجه إلى ما هو أسلم للمثقف و أكثر حميةً له.
- صالح بن سالم