محمد سليمان العنقري
واضح جدًّا النشاط غير المسبوق لوزارة الاقتصاد والتخطيط في المرحلة الحالية؛ إذ تعكف على تنفيذ خطة التنمية العاشرة، وتلعب دورًا رئيسيًّا في إطلاق برنامج التحول الوطني، وذلك بعكس ما كانت عليه لأعوام طويلة سابقة؛ إذ كان دورها يقتصر على إعداد خطط التنمية وبعض التفاصيل المتعلقة بالتنفيذ دون أدوار فعالة لمعالجة أي خلل يعتري التنفيذ أو يتعلق بحلحلة الملفات الاقتصادية الشائكة، كالبطالة والإسكان وتنويع مصادر الدخل.
لكن هل النشاط والعمل كافيَيْن للقول بأنها فعلاً تقف بالمرصاد لأي مشكلة حالية أو قادمة من خلال خططها؟ ففي ملف الإسكان رشح عن الخطة العاشرة أنه سيتم بناء 1.25 مليون وحدة سكنية، منها نحو 700 ألف سيبنيها القطاع الخاص، بينما وزارة الإسكان ترى ضرورة بناء 1.5 مليون وحدة لتلبية الطلب. ولن نختلف كثيرًا على تقديرات الأرقام لعدد الوحدات المطلوبة إلا أن الأهم ماذا ستقدم وزارة الاقتصاد والتخطيط من حلول مساندة لملف الإسكان؟ فهل عملت على تهيئة البيئة المناسبة من خلال حصر وإحصاء دقيقَيْن لحجم إنتاجية الاقتصاد من مواد البناء أو عدد المقاولين وبكل منطقة؟ وهل وضعت الخطط لمعالجة مشاكلهم أو ما يعقّد من التوسع بأعمالهم حتى يكون الاقتصاد قادرًا على بناء كل هذه الوحدات، وبما يتناسب مع برنامج التحول والتغييرات التي سيحدثها بالاقتصاد على الجوانب كافة؟
إلا أن الأهم هو تأثير ذلك على دخل الفرد.. فهل تنبهت الوزارة إلى نوعية التمويل والبرامج المطلوبة؛ كي يتمكن طالب السكن من التملك دون أن يكون القرض مرهقًا له، ويقتطع جزءًا كبيرًا من دخله؛ وبالتالي ينعكس ذلك على قدرته لتلبية متطلبات الحياة وتأثير ارتفاع تكاليف المعيشة عليه؟ فقد بدأت مع هذا العام أولى مراحل خطة تغيير أسعار الطاقة والوقود والمياه ارتفاعًا، ويُتوقَّع أن تستمر لخمس سنوات حتى يتم إعادة توزيع الدعم على مستحقيه، وكذلك تحرير أسعار الطاقة؛ ما سيعني اقتطاعًا من دخل الفرد لتغطية استهلاك هذه السلع والخدمات، الذي سينعكس مستقبلاً على أسعار السلع والخدمات بالاقتصاد ارتفاعًا، وزيادة بالتضخم. فإذا كانت برامج التمويل لتملُّك السكن ستقتطع 40 إلى 65 % من الدخل فهذا يعني إرهاقًا كبيرًا على المقترض. ومع زيادة تكاليف المعيشة فسوف يصبح إما متعثرًا، وهذا يعني انعكاسًا سلبيًّا على الاقتصاد إذا زادت حالات التعثر، وهذا لا يخفى على الوزارة ومخططيها بحكم تخصصهم، إضافة إلى انخفاض تأثير المستهلك الذي سيتحمل سداد قروض مرتفعة لسنوات طويلة؛ ما يعني ضعفًا بالنمو الاقتصادي سيطول قطاعات كثيرة بنهاية المطاف، تعتمد على المستهلك الفرد، وسيضعف من حجم الاستثمار، وكذلك توليد فرص العمل، بخلاف الإشكاليات الاجتماعية التي ستعانيها تلك الأسر أو المواطنون من قروض تأكل جل دخلهم.
فإذا كانت وزارة الإسكان تكرس جهدها لتعالج ملف الإسكان الذي يقع تحت مسؤوليتها فليس بالضرورة أن تعرف أو تخطط لجانب ذي بُعد اقتصادي أشمل، ليس من اختصاصها؛ فهو يقع تحت مسؤولية وزارة الاقتصاد، وهي الأقدر على معرفة أبعاده وتأثيراته؛ ولذلك فإنه من المهم أن يكون لها دور واسع بكل الجوانب التي ترتبط بدخل الفرد وإنفاقه للمحافظة على التوازن المطلوب؛ حتى لا يكون هناك خلل يتوسع مستقبلاً ليصبح مشكلة من نوع آخر. فزيادة دخل المواطن مطلوبة وفق معادلة رفع الإنتاجية، لكنها بالتأكيد ليست أمرًا بسيطًا أو سهلاً أو سريعًا، بينما في حال زادت الأعباء عليه نتيجة إما اقتراض يقتطع جزءًا كبيرًا من دخله، ويقابله ارتفاع بتكاليف المعيشة، فإن ذلك سينعكس سلبًا وبسرعة على الاقتصاد؛ ما يتطلب قيام وزارة الاقتصاد والتخطيط بوضع توجهات رئيسية، تحافظ على القوة الشرائية للفرد، وتمنع أو تقلل من تحمله أعباء كبيرة مستقبلاً.
الدور التخطيطي والاقتصادي مهم جدًّا بوضع أسس؛ حتى لا تحيد أي شريحة من الأفراد عن دورها الاقتصادي المهم بقدرتها على الإنفاق والادخار والاستثمار.. ويجب أن تكون معالجة ملف السكن بالشق المتعلق بالوزارة والمساند لوزارة الإسكان يهدف إلى تفكيك كل ما يمنع زيادة العرض كرؤية اقتصادية وتخطيطية عامة، إضافة إلى أن تكون المنتجات السكنية والتمويلية بمستويات مناسبة لكل شريحة وفق المعايير العالمية. فعندما انطلقت وزارة العمل لحل مشكلة البطالة عالجت ما تستطيع عمله وفق حالة السوق، بينما لم تعالج الجوانب الاقتصادية الأهم كزيادة الاستثمارات والتوسع بالقطاعات الصناعية والخدمية بما يولد فرص عمل كافية؛ لأنه ليس من اختصاصها، وهو دور منوط بوزارة الاقتصاد والتخطيط، وهو ما ينطبق على بقية الملفات، ومن أهمها الإسكان والبطالة، وكذلك الحفاظ على قوة الفرد الاستهلاكية والشرائية الصحية والمفيدة للاقتصاد، والداعمة لنموه وتنميته المستدامة المستهدفة.