محمد آل الشيخ
ومرة أخرى، يمد الإرهاب عنقه ليضرب في بروكسيل، عقر دار الاتحاد الأوروبي، ورمز مؤسساتها الاتحادية، وبالطريقة نفسها، حيث الهدف السهل قتل أكبر عدد من (الكفار) الأوروبيين، الذين يكّن لهم المتأسلمون المسيسون كماً كبيراً من الحقد والكراهية والبغضاء، ولذلك يستبيحون دماءهم جميعاً دون أي تفريق، كما أنهم يستبيحون معهم -أيضاً- دماء المسلمين الذين يعيشون بين ظهرانيهم.
داعش المتوحشة لم تكن لتصل إلى هذا الانتشار والتغلغل بين شباب المسلمين الأوروبيين، وتنشر معها ثقافة البغضاء والكراهية، لولا تردد الرئيس «أوباما» وإيثاره عدم مواجهة هذه الوحوش البربرية في بدايات تجمعها؛ فكانت النتيجة أن وصلت ضرباتهم إلى أوروبا، من خلال شباب الأوروبيين الذين شاركوا في الحرب الأهلية في العراق وسوريا، ثم عاد جزء منهم مدربين جاهزين، ويحملون معهم أيديولوجية دموية متعطشة للقتل، لا يُطفئ عطشها إلا إراقة الدماء.. كما تعلموا هناك كيف تكون إذكاء الفتن، ونسف استقرار المجتمعات، والتخطيط لها، ثم تنفيذها؛ ولو أن الرئيس «أوباما» سارع لعلاج الأمر بحزم وحسم قبل أن يكبر ويستفحل، لما كانت أحداث بروكسل ولا باريس قبلها.
وفي تقديري أنه قرأ الأزمة السورية وقبلها الأزمة العراقية، قراءة رغبوية كما يرغب أن يقرأها، وظن واهماً أن القضية قضية شرق أوسطية، إقليمية، ولن تخرج من هذا الحيز الجغرافي،؛ لكن الرياح جرت بما لا تشتهي سفنه، وتفاقمت القضية واتسعت، لتصل إلى عمق القارة العجوز، والأم الشرعية لحضارة الغرب والشرق المعاصرة.
الوباء الداعشي، أياً كان سبب نشأته، سواء كان مؤامرة استخباراتية كما يذهب البعض وتؤكده الشواهد، أم أنه كان إفرازاً لمنظمة القاعدة، تجاوزها في التشدد، وفي الإمعان في الوحشية، كان لمن يعرف هذه الحركات الإرهابية، مرشحاً للتوسع والتمدد، وبالتالي تصبح السيطرة عليه أصعب، وتبعاتها أقسى وأخطر. وهذا ما حصل بالفعل، حين ضرب في أوروبا، وحين اتسع ليصبح له نواة في الشمال الإفريقي؛ وفي ليبيا تحديداً، إذ لم يعد يفصل بينه وبين القارة الأوروبية، سوى مئات الأميال البحرية، الأمر الذي جعل مواجهته ومحاصرته، مطلباً في غاية الإلحاح.. وهنا لابد من الإشارة إلى أن التركيز على البدء بالقضاء على داعش في (الرقة) السورية، حيث عاصمة الدواعش، وترك السبب الذي أوجدها جاثماً على صدور السوريين، هو في تقديري خطأ جسيم لا يغتفر، وتجذير للفكر الداعشي في التربة السورية. فالمفروض أولاً البدء بإقصاء «بشار الأسد» من رئاسة الدولة السورية، واستبداله بسلطة سورية شعبية وشرعية، بعد ذلك يتم تسليح هذه السلطة ودعمها لوجستياً، لتتولى هي وليس الأجانب القضاء على التنظيم الإرهابي ومعه كل المقاتلين الأجانب في الحرب السورية من سنة وشيعة، سيما وأن قوات التحالف الإسلامي على أهبة الاستعداد لمساعدة وإسناد ونصرة هذه السلطة الشعبية السورية، التي سترث الأسد ونظامه وجيشه، ومؤسسات الدولة، وتمنعها من الانهيار، فيكون الاجتثاث -عمليا- تم بأيد سورية، وليس بأيد خارجية أجنبية غازية.
وهنا يجب ملاحظة أن هزيمتها العسكرية لن ينهيها نهاية كاملة، فلابد أن يبق لها جيوب ثقافية هنا وهناك، غير أن خطرها وقدرتها على الحركة، والتألق والجاذبية، وبالتالي تمكنها من تجنيد أعضاء جدد, سيتقلص حتماً، ومع الزمن سيخبو شيئاً فشيئاً حتى يتلاشى تماماً، وأظن أن نهايته التامة تتطلب مرور جيل وربما جيلين. لكن السؤال الأهم: هل أدرك الرئيس أوباما الآن أن تردده وعدم مبادرته مبكراً للقضاء على داعش في عقر دارها، كانت السبب الذي جعلها تكبر وتتضخم ثم تتغول إلى أن أصبحت غولاً شرساً يهدد أمن العالم من أقصاه إلى أقصاه؟.. بصراحة، ودون مواربة، إذا كان أوباما مازال يعتقد بصوابية موقفه حين آثر السلامة وخاف من المواجهة، فلن يتحرك الآن، وهنا يجب على الأوروبيين منفردين التحرك عاجلاً، وإلا فإن ماجرى في باريس وبروكسل سيتكرر قطعاً مراراً وتكراراً في أكثر من مدينة أوروبية بكل تأكيد.
إلى اللقاء،،،